الواقع العربي يعيش معضلة التكرار الوخيم المهيمن عليه منذ سقوط بغداد في القرن الثالث عشر وحتى اليوم، فلا جديد فيما يطرحه المفكرون العرب، وإنما هو إعادة تفسير بأساليب ومفردات أخرى، وينحشرون في زوايا "لماذا" التي تأخذهم إلى ذات الأجوبة، وإن ظهرت بلباس آخر.
فلو قرأنا للمفكرين العرب في القرن العشرين وفي عصرنا الحالي، لتبين لنا أنهم يجيبون على جميع الأسئلة بجواب واحد مشترك بينهم جميعا - إلا ما ندر وشذ منهم، وهؤلاء يحارَبون ويتم إقصاؤهم- وما استطاعوا الإتيان بحل نافع لأية مشكلة، بل كلما غاصوا في موضوعات "لماذا" يساهمون بتعضيل المشاكل.
فالمفكر العربي يحلل ويفسر ولا يجرؤ على التفاعل مع كيف، بل أنه يخشاها ويأبى أن يتلفظ بها.
فلا يمكنه البحث في كيف نكون؟
وكيف نعاصر؟
وكيف نتقدم؟
وكيف نبني دولة ذات مكانة حضارية؟
فهذه الأسئلة وغيرها من الممنوعات والمحرمات، فتراه يلجأ إلى نبش القبور والإمعان بالتنقيب في الغابرات، وتعليل الحاضر بالماضي الراسخ الذي لا يغيب، وبالأوهام والتهيؤات الفاعلة في تصوراته ووعيه.
المفكر العربي لا يأتي بما هو نافع ومفيد ومعالج للتحديات والتفاعلات، التي تستدعي اجتهادا وتواصلا مع معطيات العصر. فما يتوصل إليه يتقاطع مع بديهيات المكان والزمان. فلو سألته عما يجري لقال لك أنه بسبب التراكمات السابقة وكل ما قد مضى، بل أن بعضهم يرى أن حل مشاكل الواقع العربي يتلخص بإعادة ابن رشد للخدمة، والعمل بموجب طروحاته التي جاء بها في القرن الثاني عشر، وهي امتداد لما سبقها من أفكار الكندي والفارابي وابن سينا، وكأن الزمن لا يتغير والعرب قد تجمدوا منذ ذلك الزمان، فابن رشد وُجِد في زمانه وأنكره العرب، وعاش منيرا في الغرب، ولا يمكنه أن يعود للعرب ويساهم بإحيائهم وبناء حاضرهم ومستقبلهم، فالمطلوب أفكار تنفع الناس، ورؤى تنتشل الأجيال من متاهات الانقراض والوعيد.
فهل لدينا القدرة على البحث عن كيف بآلياتها البحثية العلمية وبالدراسة والتفكير العلمي المعاصر الرصين لمواجهة التحديات المتنامية فينا ومن حولنا، فلا خيار أصوب من العلم والعمل بموجب معطياته؟!!
واقرأ أيضاً:
الأهداف الزئبقية ومجتمعاتنا الوهمية!! / الأنا الوطنية!! / الانتحار والعولمة!! / المجتمعات تتعلم وتتقدم ومجتمعاتنا تتهدم!!