الشر صناعة كأي صناعة يتم استحضار موادها الأولية وعناصرها المساعدة ومهندسيها وبناء المصانع اللازمة للإنتاج بالجملة، وما أن تبدأ صناعة الشر فإنها لا تتوقف وتتطور وتكون لها مصانع فرعية في أصقاع الدنيا. وصُناع الشر مهرة خبراء ذوي تجارب متكررة بهذه الصناعة السيئة، لكنها تحقق مصالح دولهم وتطلعات حكوماتهم التي تريد الاستحواذ على القدرة الأرضية.
ولا توجد شرور مصنعة في المجتمعات المتأخرة من قبل أهلها، وإنما الأشرار يتحقق تصنيعهم وتصديرهم إلى مجتمعاتهم. فالشرور التي عصفت في العديد من المجتمعات مصنعة ومجهزة بآليات التعبير عن الشر في مواطنها، ويتم رعايتها وصيانتها وتأهيلها وتزويدها بالطاقة اللازمة لاستمرارها، فهي لا يمكنها أن تتواصل من غير إدامة وإعالة كاملة تكفل لها البقاء والنماء.
وهذه الصناعة مربحة لأنها توفر أسواقا للسلاح وتمنح القِوى المُصنِّعة لها مبررات الإقدام على امتلاك الهدف المطلوب، مما يعني أنها صناعة قابلة للتطور والانتشار بمهارات تسويقية حديثة وغير مسبوقة. ومن أفظع ما تحقق في التسويق أن الدين صار علامتها التجارية المتميزة، والتي بموجبها يمكنها تجنيد الأعداد المطلوبة لتنفيذ المهمات العدوانية على الخير.
ويبدو أن الواقع القائم يشير إلى أن هناك قوى تسعى لإعادة تصنيع الشر بعد أن أوصلته إلى أوج ما يستطيع ثم تهاوى أو تمزق، لكنها أخذت تعيد التصنيع، وبأساليب جديدة تحافظ على إنتاجية عالية وتسويق منقطع النظير، مما يعني أن الويلات ستتعاظم في المجتمعات المستهدفة. ذلك أن الحروب الجديدة ما عادت كما هو متعارف عليه في الحروب التقليدية التي أسدل الستار عليها القرن العشرون، فالحرب المعاصرة تعتمد على صناعة الشر في الهدف المطلوب، وهذا الشر هو الذي يقوم بالمهمات المطلوبة للوصول إلى ما هو مطلوب.
وعليه فإن بعض المناطق والمجتمعات المستهدفة وخصوصا الثرية منها، ستكون في محنة كبيرة واستنزاف شديد لطاقاتها وثرواتها، وذلك بتأهيل العديد من أبنائها وفقا لصناعة الشر، وهؤلاء سيعملون باندفاعية فائقة لتدمير مجتمعاتهم والقضاء على أنفسهم وهم لا يشعرون، وبذلك ينفذون المشاريع المرسومة وينتقمون من بلدانهم التي ينتمون إليها.
فالحرب الجديدة المعاصرة تتلخص بتأهيل ما في الهدف من قِوى ذاتية وموضوعية لتدميره والسيطرة الكاملة عليه.
فهل سيستفيق البشر من أهوال الخطر، ويتجنب الدخول في مصانع إنتاج الشر؟!!
واقرأ أيضاً:
الأهداف الزئبقية ومجتمعاتنا الوهمية!! / الأنا الوطنية!! / الانتحار والعولمة!! / المجتمعات تتعلم وتتقدم ومجتمعاتنا تتهدم!! / التكرار المنهوك!!