الواقع العربي محكوم بالأموات، ولا يوجد أثر للأحياء فيه، ولهذا فهو يؤكد آليات الموت ويترجمها بحرفية واضحة.
فكأننا لا يوجد عندنا أحياء يفكرون ويجتهدون، وإنما أمواتنا هم المتحكمون بالحاضر والمستقبل، ويدل على ذلك ما يسود في الإعلام وخطب القادة والحكام، فجميعهم إلا فيما ندر يتكلمون بلسان الأموات ويعبرون عن رؤاهم وأفكارهم وتصوراتهم، التي عفى عليها الزمان وأغبرها المكان.
وهذه علة العلل ومعضلة المعاضل والعقبة الأشد التي تحول بين العرب والحياة.
الذين يمثلون الدين ينقلون عن الأموات، والإعلام تسود فيه إرادة الأموات، وما حولنا معفر ومدثر بما نطق به أموات الأزمان، الذين أضفينا عليهم ما ليس فيهم، فأصبحوا من المقدسين والمعصومين والمتخيلين وما هم إلا بشر كان يسعى فوق التراب كغيره من البشر، لكننا بقوة ما فينا من الأوهام حولناهم إلى موجودات خيالية لا تتصل بالأرض.
ومضت مخيلاتنا المريضة تدعي ما تدعية وتلصقه بهم، حتى صار كل ما يجري في الواقع المعاش لديهم فيه نظر، فإن حصل شيء، انهالت عليك الكتابات والتصريحات البهتانية، التي تؤكد بأن فلان الفلاني رحمه الله قد قال كذا وكذا بهذا الخصوص، بل أن البعض يأتيك بأعاجيب وخزعبلات تستحضر المستقبل، وما هي إلا هذيانات وخرافات ومحاولات تضليلية وتدميرية للواقع الذي يئن من الويلات.
ويبدو أنها نزعة موتية كامنة فينا تدفعنا نحو استحضار الأموات والتفاعل معهم على أنهم أحياء ونحن الأموات، وأن الزمن قد توقف والمكان ما تغير، وأنهم ما تحولوا إلى رميم، ولن تجد في أجداثهم غير التراب الأبيد. وقد يكون للحاضر الكسيح والذل القبيح دور في تأكيد الهروبية إلى الذين غابوا في التراب والتوهم بأنهم كانوا أعمدة وجودنا القوي، وعلينا أن نتمسك بهم كتعويض عما نعانيه من الخسران.
ويمكن التوسع بالتحليلات والتفسيرات كما اعتاد عليه المفكرون والكتاب، لكن ذلك لن يأتي بما هو نافع، وهدف المقال أن نؤمن بأننا أحياء ومن واجبنا أن نصنع مستقبلنا ونبني حياتنا، ونتفاعل مع زماننا ومكاننا وفقا لمعطيات عصرنا، وعلينا أن نفعل العقول ونفاعلها لكي تتمكن من لوي عنق التحديات وشق طرق الرقاء والنماء الحضاري.
فنحن أصحاب قدرات عليها أن تكون شاخصة ومؤثرة في المسيرة الإنسانية، فكلنا أحياء ولنحترم أمواتنا، وأن نقر بأنهم أموات، وقاموا بدورهم وما أنجزوه فات، وما فات مات، وما هو آت آت، فاعزموا وتوكلوا وتعقلوا وكونوا بإرادتكم العصماء، ولا تنظروا إلى الوراء، فالدنيا في سباق، ومن جد وجد!! والقوة في العلم والعمل!!
واقرأ أيضاً:
الأنا الوطنية!! / الانتحار والعولمة!! / المجتمعات تتعلم وتتقدم ومجتمعاتنا تتهدم!! / التكرار المنهوك!! / إعادة صناعة الشر!!