نمطية تفكير وإدراك عاصفة في أجيال المجتمعات المتأخرة، وتتلخص بالانصفاد بلماذا، فلا تعرف هذه المجتمعات غير لماذا؟
فهي تتساءل:
لماذا تأخرنا؟
لماذا تحطمنا؟
لماذا نعتمد على غيرنا؟
وهذه اللماذا تأخذ الأجيال إلى تداعيات ماضوية ماحقة، لأنها ستدفعهم إلى ما هو سهل وبسيط، فتجدهم يعللون الحالة التي يتساءلون عنها بأسباب ماضوية، وهذا يعني أنهم لا يمكنهم تغييرها لأن الذي مضى لا يمكن تغييره، مما يؤدي إلى الاستسلامية والقنوطية وعدم إعمال العقل في صناعة الحياة بحاضرها ومستقبلها.
فأسباب العلة أو المشكلة القائمة مضت، ولا نستطيع الإمساك بها، وعليه فإن المشكلة مزمنة ومتعضلة، ما دامت أسبابها ماضوية بحتة، وبهذا الاقتراب تتحرر الأجيال من المسؤولية وتلقيها على عاتق الأجيال التي سبقتها. ووفقا لذلك تجد الشائع في المجتمعات المتأخرة أن ما هو حاصل ويحصل في حاضرها تعزيه إلى النظام السابق، وحتى لو مضت عقود على نهايته، فإن القول بأن السبب هو النظام السابق يمنح شعورا باللامسؤولية ويديم التنويم والتخدير والقبول بالأمر الواقع.
ويبدو أن المفكرين والمثقفين في هذه المجتمعات قد توحلوا في الماذاوية وأمعنوا بالتحليلات والتعليلات الماضوية العجيبة، التي تبدو منطقية ومقنعة لكنها خادعة مضللة وتبريرية تسويغية كاذبة، مما جعل الأجيال تعتاش على الأضاليل وتستلطفها وتعتمد عليها لكي تشعر بالراحة وبعدم المسؤولية.
إن المجتمعات المتأخرة لا يمكنها أن تتقدم وتتطور إذا بقيت مرهونة بآليات لماذا، التي تفتح لها بوابات الماضي وتستحضر الغابرات لتكون هي السبب، فكل جيل يلقي بعاقبة الأمور على الجيل الذي سبقه، وهذا سلوك يتنافى مع إرادة الحياة وصناعة المستقبل.
وعليه فمن الواجب والمسؤولية الحضارية أن تكون المواجهة واضحة، والتفكير بكيف نكون، وكيف نتقدم، وكيف نصنع، وكيف نزرع، وكيف نجعل مدننا أجمل وغيرها من الكيفيات التي تستدعي استحضار الطاقات والقدرات، وإعمال العقل وتأهيله لكي يكون متفاعلا مع زمانه ومكانه.
فالمجتمعات تكون عندما تتعلم كيف تكون !!
واقرأ أيضاً:
المجتمعات تتعلم وتتقدم ومجتمعاتنا تتهدم!! / التكرار المنهوك!! / إعادة صناعة الشر!! / متى يحكمنا الأحياء؟!! / اللماذائيون!!