فهم العلاقة ما بين النتيجة والسبب، واضطراب الحياة واشتداد الخطوب، يستدعي البحث المحايد للعلاقة ما بين النتيجة وما أدّى إليها وحققها.
هذا الموضوع يتحقق إغفاله في الواقع الثقافي العربي، وتطغى عليه الأحكام المسبقة والاقترابات العاطفية الانفعالية المتعسفة، وتخيم عليه التفاعلات المنحرفة الداعية لتبرير ما فيها من الغايات والتطلعات المشوهة، مما يؤدي إلى التعمية والتغفيل والتضليل الغاشم.
وحتى في البحوث المعرفية والعلمية قد تضيع الحقيقية وتبتعد الآلية المتبعة في البحث عن جوهر الكينونة القائمة في الواقع اليومي المعاش، ويُخشى أن يكون للمحاباة والنفاق دورهما في صياغة ما هو أشد خطورة منهما على العقل والنفس والسلوك.
كما أن غياب الجرأة العقلية والشجاعة البحثية والإقدام على طرح الأسئلة، والتفتيش الجاد عن أجوبة ملحة عليها يكون من مبررات التميع الثقافي والضعف المعرفي الذي يسود المجتمع العربي، مما يدفع إلى الواجهة بالذين يزينون انفعالاتهم بما هو ديني ومذهبي وطائفي.
وفي ميادين الصحة العقلية والعافية السلوكية، يكون الهدف أن يصل المريض إلى وعي العلاقة ما بين النتيجة والسبب، وأن لا يعيش في حالة وهمية أو انحرافية يسوغ بها النتيجة وينأى عن السبب الحقيقي والعلة الفاعلة في كيانه.
وهذا ينطبق على المجتمعات التي تستلطف تضليل نفسها وتحيد عن ذاتها وجوهرها، وتتوهم بأن أحوالها هكذا لأسباب خارجة عنها، فتخترع أقمصة وشماعات تعلق عليها ما يؤدي إلى تنامي تداعياتها وانهياراتها الحضارية المروعة.
بينما المجتمعات المتواصلة العطاء والمعاصرة لمستجدات زمانها، تجد وتجتهد في البحث عن السبب المؤدي إلى نتيجة ما، وتعمل بمستطاعها للحيلولة دون حصول الترابط مستقبلا ما بين السبب وعناصر صناعة النتيجة المرفوضة أو السلبية.
وفي مجتمعاتنا لا توجد نزاهة ولا إخلاص في البحث عن الأسباب، ولهذا فإن المشكلات تتراكم وتتفاقم وتتكرر، ولا يمكنها أن ترسو عند حل يجنب المجتمع آثارها النكراء، بل أن العديد من المشاكل تتعاظم وتتطور وتستحضر المزيد من الأسباب اللازمة لديموتها.
ويلعب النفاق والتقية دورهما في التمويه والتجاهل والانحراف المعرفي والثقافي، كما أن للمداهنة والمحاباة والمصالح الذاتية والنفعية الأخرى دورها الفعال في تدمير الحياة والتضليل والتعضيل.
ولن نتمكن من النجاح والخطو الأمين من دون المعرفة الصادقة للعلاقة ما بين النتائج والأسباب والعمل الجاد على الحيلولة دون تواصلها.
واقرأ أيضاً:
متى يحكمنا الأحياء؟!! / اللماذائيون!! / اللماذاوية!! / أدمغتنا غير مؤهلة!! / المغادرة والمعاصرة!! / الأخلاق والحياة!!