بقعة أرضية في قلب مدينة نيويورك جامعة وغنية بشريا وثقافيا وسلوكيا، وكأنها مرآة الأرض الحقيقية، النابضة بالحياة والبهجة والسرور الذي يندر في أماكن غيرها.
قد تتساءلون لماذا هذا الموضوع؟
وأجيبكم، إذا أردتم أن تكتشفوا سر الحياة وقوة الأوطان فتأملوها في "تايمز سكوير"!!
أجلس على كرسي وسط الساحة، وأرنو إلى البشر من جميع الأجناس واللغات والمعتقدات والثقافات، والكل يتفاعل بمرح وسرور، فالبهجة تسود المكان والوجوه النضرة الباسمة المشحونة بحب الحياة تتماوج بتعبيرها الأصدق عن جوهرها الفتان.
شباب وشابات، رجال ونساء، كهلة ومشردون، أزياء متنوعة تعكس ثقافات البشر، من المحجبات إلى العاريات، وفعاليات متجددة تتكلم بلسان الحياة.
بشر من كافة البلدان يتفاعلون والسرور يترقرق في فضاءات وجودهم، وأنا أتجول بين أناس لغاتهم المتنوعة تتوارد إلى مسامعي، وعيوني تتابع سلوكياتهم وما يؤدونه من فعاليات فردية وجماعية، فالمكان صاخب يصدح بالنشاطات الحية الباهية.
وأتساءل...؟؟
لماذا هذا الخلق الأرضي المتنوع المختلف يرسم لوحة حياة مبتسمة ومتناغمة، ومجتمعاتنا تفشل في صيانة تماسكها وبناء التفاعل الإيجابي السعيد ما بين أبناء الوطن الواحد، بل وكل ما فيها واحد؟؟
يعصف السؤال في رأسي، وأغوص في بحر الجواب الذي يحتاج إلى وقفة طويلة، لاستحضار الكيفيات اللازمة لتأكيد هذا البناء البشري القوي المتين.
إنّ قوة أمريكا الحقيقية ليست في التفوق العسكري والتكنولوجي وحسب، بل في صيانة القيم والمبادئ الإنسانية السامية، وإذا فقدتها فلا قيمة لأية قوة أخرى عندها.
فأساس قوتها بقيمها المعبَّر عنها بدستور قويم مُصان تخضع لإرادته القِوى والأحزاب، وبموجبه تمضي مسيرة الحياة محصنة بمواده وبالضوابط الأخلاقية الصارمة المترجمة بقوانين.
فأمريكا استطاعت أن تؤسس نظام حياة إنساني يمكن للأجناس البشرية أن تتفاعل فيه بإيجابية، وبقدرة مطلقة على التعبير عن طاقاتها الإبداعية والوصول بها إلى أوجها.
وأمريكا وفقا لدستورها وقوانينها عبارة عن وعاء تتمازج فيه الموجودات، لتصنع سبيكة وجود لا مثيل لها في الدنيا.
فقوة البلدان تقاس بقدرتها على صهر مكوناتها في وعاء وطني جامع.
وقد أخذت أوربا تتعلم منها سر القوة والاقتدار، وتعاملت بمبدأ صناعة السبيكة الوطنية المبنية على الدستور والقانون والوطن والمواطنة، وبعدها جميع الصفات الأخرى ثانوية وأكثر.
فهل سنمتلك القدرة على التفاعل بتقنيات صناعة السبيكة الوطنية المعاصرة، لكي نكون وفينا مؤهلات أن نكون؟!!
واقرأ أيضاً:
اللماذائيون!! / اللماذاوية!! / أدمغتنا غير مؤهلة!! / المغادرة والمعاصرة!! / الأخلاق والحياة!! / النتيجة والسبب!!