الواقع المُعاش يتسيّد فيه الأموات ويندحر الأحياء، وبما أنه محكوم بالأموات فهو واقع ميت ومميت.
هذا الاستنتاج تشير إليه وتوضحه التفاعلات الحاصلة في مجتمعاتنا، ابتداءً من الخطب والتصريحات والكتابات بأنواعها، وما يتردد في وسائل الإعلام المتعددة. فجميعها وبلا استثناء ترفع رايات الأموات ولا تجد فيها وجودا للأحياء ولا تشم منها رائحة العصر، وكأن الجميع قد انقطع عن زمانه ومكانه واندس في غوابر الأجداث، فالأموات مقدسون والأحياء منبوذون.
ولابد للأحياء أن ترتقي بسلوكها إلى ما كان عليه الأموات، أي أن تلغي المسافات وتختصر الوجود بحالة لميت ما، وتعيشها وتقدسها وتكرس حياتها لأجلها، حتى تتقرب إلى جنات النعيم وتتحرر من خطاياها وآثامها، فالدنيا بلا قيمة ولا معنى، وإن جوهر الكينونة في الموت والأموات، ولهذا نجد للموت مواكب تتدافع نحوها الأجيال، وتتساقط في وديانها الإرادات وتغيب معاني الحياة.
ومجتمعاتنا منشغلة بما يؤسس لمشاريع الاستثمار بالموت، وبما يستحضر الأموات على أنهم أحياء. ومن المعروف أن المتاجرين بالدين يستثمرون ببضاعة الموت، وعندهم ما مات ما فات ولا آتٍ بعد أن مات مَن مات.
ولا يمكن لمجتمعاتنا المحكومة بالأموات أن تصنع حاضرا وتبني مستقبلا، إن لم تتحرر من سلطة الأموات، وتستوعب حاضرها وتستقدم مستقبلها، وتنطلق بإرادة إنسانية معاصرة متفاعلة مع مناهج العلم والعقل الإبداعي الابتكاري الفعّال المساهم بصناعة الحضارة وبناء المستقبل.
فالأموات يقتلون جوهر الحياة فينا، ونحن الأحياء علينا أن نمارس حياتنا فهي مسؤوليتنا، وقوتنا ورسالتنا وأمانة علينا أن نصونها ونتواصل بها ومعها، لكي نعبّر عن معنى وجودنا وديدن بقائنا وانطلاقنا الخلاق.
وهذا يعني أن لابد من ثورة تنويرية ثقافية معرفية ضد الأموات الذين يتحكمون بمصيرنا، ويذيقوننا وجيع الويلات والحسرات.
إنهم ماتوا ونحن الأحياء، فلماذا نعيش في وهم أننا الأموات وهم الأحياء؟
فهل من قدرة على الاستفاقة من هذا الغي والجحيم الأليم؟!!
واقرأ أيضاً:
اللماذاوية!! / أدمغتنا غير مؤهلة!! / المغادرة والمعاصرة!! / الأخلاق والحياة!! / النتيجة والسبب!! / تايمز سكوير والدنيا بخير!!