الأحداث تتواكب وبعنفوان يتناسب طرديا مع إرادة المصالح ومشاريع الهيمنة والاستحواذ على الآخرين، والبشرية بين قوى متحركة وراكدة، بين فاعل ومفعول به، بين تابع ومتبوع، بين قوي وضعيف، وفقير وثري، وغيرها من المتناقضات التي لا تحصى ولا تعد. فالماء الفعّال يجري والساكنون القانطون يتآكلون كما يتآكل الجرف ويتهاوى ليكون طعما للجريان، والأمم الجارية ذات سرعة متوافقة مع قدرات العصر الوثاب، والأمم الهامدة تمعن بالتدحرج المتسارع إلى الوراء البعيد، فتميت أحياءها وتحي أمواتها، وبين أحياء تتجدد وتسعى وبين أموات تتداعى وتطغى، يمكن رسم المسافات ما بين الأمم والشعوب والمجتمعات.
فالمجتمعات التي تولي أمواتها عليها تنقرض وتبيد لأن طاقات الموت تجذبها إلى حيث تريد، والمجتمعات التي تتولاها إرادات الحياة المتفاعلة تتقوى وتتجدد، وتسود وتتقدم في ميادين الوجود الساطع، فهي تعلي قيمة الحياة، وغيرها تعلي قيمة الموت والأموات.
وقانون الحياة الساري في مسيرات الوجود والأكوان، أن في الحركة بركة، وكل شيء يتحرك لكي يبقى، ولا يمكن لساكن أن يدوم، ولا لعاجز أن يعطي ما ينفع الحياة، وكلما زاد عدد العاجزين استنزفت الحياة طاقاتها واضمحلت إمكانات تطورها وتناميها.
فالموجودات بأسرها لكي تبقى عليها أن تتحرك، بمعنى أن تتغير وتتجدد لكي تواكب معطيات الزمان والمكان، وتصبح ذات آليات تفاعلية متوافقة مع الحالة المتوالدة وفقا للدوران. ومن الواضح أن بعض المجتمعات تميل للركود والتدحرج الورائي نحو الغابرات، والتفاعل الاستنزافي مع الأموات الذين تجد وتجتهد بإحيائهم وتأكيد وجودهم في زمن غير زمنهم، مما يتسبب بتداعيات مأساوية وخسارات مروعة على جميع المستويات الحياتية والاجتماعية.
ويبدو أن القوى الطامعة ببعض المجتمعات تشجعها على هذه السلوكيات الانقراضية، لكي تتمكن من الاستحواذ على مصيرها وتدميرها، وتحويلها إلى خرائب تنعق فيها غربان الويلات والنكبات المقدسة، والتفاعلات المؤدلجة القاضية بمحق الوجود الوطني.
ووفقا لذلك تحولت الأوطان والشعوب إلى بضائع في مزادات الهيمنة ومصادرة الحقوق، والعمل بموجب قوانين الغاب المقنعة بما هي إنساني ورحيم، في واقع كل ما فيه أليم وجحيم.
فهل سنؤمن بالجريان أم سنبقى نتعبد في ظلمات القبور؟!!
واقرأ أيضاً:
التسامح والسلام بين الطبع والتطبع؟!! / المفردات اللغوية والقدرات الحضارية!! / الأهواء المُعقلنة!!