من المعروف أن الواقع المعاش مؤلم وقاسي وفيه من تداعيات العصور ما لا يخطر على بال البشر في الدنيا بأسرها، وفيه رؤوس لا ترى النور وتعمه في ظلمات الأنفاق والجحور.
ومن المعروف أيضا أن الشعوب تمر بمحن وملمات وانهيارات، لكنها تنهض وتكون، وسر النهوض هو التفاؤل والشروع بالتحدي والعمل والجد والاجتهاد والتحرر من أصفاد الذي مضى.
وعلة بعض المجتمعات أنها تتوحل فيما مضى، ولا تمتلك القوة والإرادة للخلاص من ركام الماضيات بما فيها من التفاعلات السيئة والمريرة.
وفي مجتمعات الدنيا أمثلة عديدة على ذلك، حتى في أمريكا التي خاضت حربا أهلية قاسية وصعبة، نهض مَن نهض بعزيمة التفاؤل والإقدام وقرر أن تكون الحياة أفضل وأرقى، برغم ما حصل من الويلات والصراعات الدامية المكلفة.
وفي اليابان حصل ذات الشيء، وفي الصين والعديد من مجتمعات الدنيا الأخرى.
فلماذا لا يحصل هذا في واقعنا؟
إن القول بالتفاؤل ليس توهما أو خيالا أو فنتازيا، أو أحلام يقظة، إنه إرادة الشعوب الحية التي تنتصر على ويلاتها ومآسيها وتتحقق وفقا لإرادة الرؤى والأفكار الطيبة الفاضلة الصحيحة.
وهذا سيكون حتما، فالمجتمع الغني بالحضارة والتاريخ، لا بد له أن يلد الذين يحملون رايات مجده الخفاق في دروب الحاضر والمستقبل.
نعم إن المجتمع سيلد الذين يدركون إرادته ويرفعون صوته الحقيقي ويتحققون به ويتحقق بهم.
ولن يكون ذلك إلا بالتفاؤل والأمل والإصرار على مفردات القوة والعزيمة، والجد والاجتهاد والتحدي والثقة على أن الأفضل حتما يكون، وأن الغد امتداد لما نشيّده من الفضائل في الحاضر، الذي علينا أن نؤسسه وفقا لرؤانا الجميلة الصالحة للأجيال.
لقد تعبنا من الكتابات الحزائنية، والدراسات والتحليلات الجنائزية، والطروحات الاجتماعية والنفسية التكريسية، ومن أشعار اللطميات والهروب، والأفكار السوداوية، وكأننا لا نرى شمس النهار ولا نعيش على كوكبنا الأرضية، وبرغم ما أصاب العالم من تقدم متسارع، فإننا نتحول إلى صُررٍ بشرية تتدحرج على سفوح اليأس الأبيد.
كفانا نزوعا للأوجاع وتشوقا للآلام، واستلطافا للويلات والتداعيات والوجوه الدامعة الحزينة المتخشبة القسمات.
فنحن نريد الحياة والأمل والمحبة والألفة والرحمة والتكافل والتواصل الإنساني الخلاق.
نريد البناء والتقدم والرفاهية والسعادة والأمن والسلام.
ولا يمكننا أن نحقق ذلك إذا تلثمنا بالقنوط والانكسار والانزواء في غياهب الظلام والخراب والدمار، ومشينا في دروب الخيبات والتداعيات المريرة، لأن ذلك سيدفع إلى إنشاء متوالية مأساوية ذات مضاعفات عدوانية وتراكمات دموية، تقيّد مسيرة الأجيال وتستعبدهم في حفر كان.
نريد الأفراح ولا نريد الأحزان، وقد شبعنا أحزانا وآلاما، فهل من صرخة كفى.
نعم كفى، فهيا إلى التفاؤل والأمل، لأنهما يفجران طاقات الخير والفضيلة والرحمة والقوة الإنسانية المتوثبة الصادقة.
فتحية لكل مَن يتفاءل ويسعى بما فيه من طاقات وقدرات لصناعة الحاضر والغد الأروع للجميع .
وإن الوطن سيتحقق ويمتلك حاضره ومستقبله السعيد.
فتفاءلوا بالخير تجدوه بالعمل والجد والاجتهاد!!
واقرأ أيضاً:
المفردات اللغوية والقدرات الحضارية!! / الأهواء المُعقلنة!! / الماء يجري والجرف يهرأ!! / تعقيد الفلسفة!! / العقل المقتول!!