السائد في وسائل الإعلام بأنواعها هو الأخبار الناقلة لما هو سلبي وعدواني على كافة المستويات، ولا يُعرف لماذا هذا الميل نحو الأخبار السيئة.
البعض يقول أنها تجتذب المشاهدين والمستمعين والقراء، والبعض يرى أنها ميول كامنة في أعماق البشر تدفعهم للبحث عما هو سيء، وتجاهل ما هو عكس ذلك.
ويبقى المتأمل لتيار الأخبار الدامية في حيرة ودهشة واضطراب، فلا يمكن الوصول إلى تفسير نافع والمساهمة بخطوة ذات قيمة إيجابية صالحة لكينونة اجتماعية فاضلة. فالعدوانية هي العنوان الساطع والقاسم المشترك بين الأحداث وتداعياتها المريرة القاسية، وكأن البشر كلما ازداد عدده تنامت شروره، وكأن فيه طاقة تنافسية تناسب عدوانيتها مع تنامي أعداده وتفتح رغباته وتطلعاته نحو حياة ذات تعبير عما فيه.
أي أن البشرية في محتدمات تصارعية حامية، وما فيها يندلق فياضا حولها، حتى لتبدو الحياة وكأنها أجيج لهاب وجحيم وثاب، وإندفاعات متعاظمة نحو الرماد. وهذه الأخبار المتواصلة بشرورها، لتعكس الصورة المتوحشة القاسية الكامنة في الأعماق الشرسة المتردية في كهوف ذاتها، والغارقة بمستنقعات تصوراتها الهذيانية وأوهامها البهتانية، التي تنقلها إلى حالات خارجة عن عصرها، لكنها فاعلة ومؤثرة في مسيرته، وكأنها العثرات التي على نهر الحياة أن يقيلها، ويرميها على جرفي الانطمار والخمود، والمشكلة أنها تتوالد وتنجب ما يساهم في تنمية سلوكها وتعضيد امتداداتها نحو هدف شرير.
فالنفس البشرية عندما تتنعم بالحرية وتفقد قدرات الردع والتوجيه والضبط، فإنها تعكس محتوياتها الغابية الشرسة المعربدة الساعية للاستحواذ على ما عند غيرها، بل أنها تتميز بتوحشية عالية وافتراسية مطلقة، وهذا ربما يفسر أعاصير الشرور المداهمة للوجود المعاصر في بقاع الدنيا قاطبة. فيكون الانفلات السلوكي في ذروته، وتهيمن عليه الانحرافات المتوجة بوبائية المخدرات والعصابات والجرائم الفتاكة والقتل الأعمى للناس، لأن النفس قد امتلكت أدوات التعبير عن سوئها المطمور.
ويبدو أن وسائل الإعلام قد صارت ضحية للنفوس السيئة دون وعي منها، لأنها تتوهم بأنها تنقل أخبارا وما تقوم به هو المساهمة في تعزيز سلوكيات النفوس الأمارة بأكثر من السوء.
وعليه، فلا بد من الانتباه إلى هذه المشاركة الضارة بالحياة، والعمل على تحقيق الموازنة ما بين أطراف معادلة الحياة المحكومة بالخير والشر، فلا يمكن للشر أن يطغى على الأخبار، ومن حق الحياة ورسالتها أن يكون للخير مكان واضح في وسائل الإعلام، لكي تستعيد البشرية رشدها وتقمع نفوسها الدونية المحكومة بالرغبات الحيوانية.
فهل من قدرة على تطهير الأخبار من مفردات السوء والبغضاء والشر المبيد؟!!
واقرأ أيضاً:
المفردات اللغوية والقدرات الحضارية!! / الأهواء المُعقلنة!! / الماء يجري والجرف يهرأ!! / تعقيد الفلسفة!! / السبائك السلوكية والحياة!!