ما يحصل في الواقع العربي يستوجب الاقتراب الشامل القادر على تفكيك مفردات التفاعل والتداخل المتسببة بالتداعيات المتوالية المتنامية، وعليه فلا بد من طرح الأسئلة الجريئة الخارجة عن صناديق الأضاليل والأكاذيب والدجل المتاجرة بالدين والبشر.
ترى لماذا دوامة التصارعات لا تتوقف، والحلول تغيب؟
يمكن القول أن الديمقراطية المتوهمة أو المتخيلة لا ترتبط بمفردات الواقع ولا تتوافق مع معطياتها وتوجهاتها، فالواقع العربي محكوم بالأحزاب والتوجهات الدينية، وهذه في جوهرها تتقاطع مع الديمقراطية وترفضها تماما، إذا لابد من التبعية وتعطيل العقل لكي تبقى وتتسيد على المجتمع، وتقبض على عنق الحياة وتتمتع بالامتيازات والخيارات التي تحسبها من حقوقها، ومن واجب الناس المقبوض على مصيرهم أن يعملوا لتوفيرها لهم.
كما أن هذه الأحزاب والجماعات لا تؤمن بالوطن أيا كان اسمه، فهي تتوهم أنها تصنع أمة، ووطنها أرض الله الواسعة. وكما هو واضح فإنها في يقينها تمتلك الحقيقة المطلقة، ولا دين إلا دينها، ولا رأي إلا رأيها، ومعظمها أعطت الحق لنفسها بتكفير الآخر والإفتاء بقتله ومصادرة ما يمت بصلة إليه، وذلك باسم ما تراه وتؤمن به من المعتقدات التي تقول أنها الدين.
وهذا يعني أن الديمقراطية لا يمكنها أن تكون وتتحقق في بيئة تعاديها وتتقاطع مع أبسط مبادئها، التي تستوجب عقدا اجتماعيا أو دستورا وضمانا لحقوق الآخر في معتقده ومواطنته، وبالتعايش الإنساني ما بين البشر، وحرية التعبير عن الرأي، والتفكير والنظر والتقدير. أي أن الديمقراطية وفقا للسائد من التصورات تُحسب خروجا عن المألوف والمعتاد، وأنها ضد المعتقد أو الدين، وفيها تهديد سافر للقِوى المتسيدة بدين.
فلا يحق للناس أن تفكر، ولا يجوز لها أن تبدي رأيا، لأن في ذلك خراب الأمة وزعزعة مرفوضة للسلطات الدينية، وإزعاج للعمائم بأنواعها، وتقويض لتجارة الفتاوى والأوامر التي تصدرها للتحكم بالمصائر. كما أن الديمقراطية تعني التعليم والتثقيف والتحرر من الجهل والأمية، وفي هذا تهديد كبير وعدوان سافر على الذين يريدون من الناس التوهم بأنهم هم العارفون، وغيرهم الجاهلون الخانعون الخاضعون لإرادتهم والمنفذين لأقوالهم وإشاراتهم.
ووفقا لما تقدم، فإن الشباب المتنور الذي تخرج من مدارس العولمة المتنوعة المتعددة المتدفقة بالمعارف والمعلومات، يتحرك تواصلا مع زمانه لكنه في المكان الخطأ، مما يدفع إلى الاستثمار في تياره وتبديد اتجاهات جريانه، وتوجيهها نحو الاضطراب والتخبط والغرق في اليأس والإحباط والوجيع الخسراني الشديد.
ولهذا فإن أي نهضة شبابية يتحقق الاستيلاء عليها من قبل الأحزاب الدينية والمجموعات والعمائم بأنواعها، وتوظيفها لتمرير الأجندات الطائفية والمذهبية وحتى العنصرية.
ويبدو أنها مواجهة حامية وقاسية، لكن تيار التنوير والعولمة المتفتح سينتصر حتما، وسينهزم أعداء الزمان والمكان المناوؤن للحياة الحرة الكريمة، والمستعبدون الناس باسم الدين.
واقرأ أيضاً:
الماء يجري والجرف يهرأ!! / تعقيد الفلسفة!! / السبائك السلوكية والحياة!! / الأخبار السلبية!! / مع احترامي لابن رشد أتساءل عن الرشد؟!!