المشكلة الجوهرية في مجتمعاتنا اقتصادية بحتة، ومنها تتفرع المشاكل الأخرى وتتعمق وتتعتق وتتشابك وتطغى، وتحجب الأنظار والأبصار عنها. فمعظم ما يجري في المنطقة ينبع من القهر الاقتصادي والفساد العارم الذي يعصف بأرجائها.
قد يقول قائل، إنك اختصرت المشكلة وألغيت العديد من الأسباب الأخرى، لكنه لا يستطيع أن يأتي ببرهان واضح ودليل قاطع على أن المشكلة غير ذلك، بمعنى أننا نغفل المشكلة الحقيقية ونتلهى بفروعها وتشعباتها ونتائجها، ولهذا ما تمكنا من الحل، وإنما من توليد المشاكل ومضاعفتها، وتكبيل المواطن بمزيد من القهر والحرمان.
فمجتمعاتنا تعيش الفقر والعوز والحرمان من الحقوق البسيطة للإنسان في الحياة المعاصرة، وتتنامى فيها نسبة الإفقار والإذلال والتشريد والتهجير والتلهي بالتصارعات السلبية، التي تديرها رموز وجهات تتاجر بالأبرياء من أجل تحقيق الاحتكار والانفراد بنعيم الثروات، ولكن إلى حين.
ويبدو أن الاستثمار في الفقر منهج متواصل يمارسه الذين يرفعون رايات الدين، ويَعِدون الفقراء والمساكين بأن سعادتهم في الموت، ومعاناتهم في الحياة واجب وفريضة لكي يحققوا السعادة الأبدية، ولهذا فإن برامج الحرمان والإفقار مستمرة، وفي أغنى مجتمعاتنا التي تمتلك خزائن الأرض النفطية.
وبسبب هذا السلوك الأناني المنحرف المعبّر عن نوازع النفوس السيئة، فإن الدين صار عنوان التفاعلات والمناوشات وسفك الدماء وتخريب البلاد وسبي العباد، والنيل منهم بأبشع الوسائل والأساليب المتوحشة النكراء.
ولا يمكن للمجتمع أن ينتصر على معضلاته ويوقف ناعور ويلاته إلا بالتوجه الاقتصادي، الذي يساهم بإطلاق طاقات المواطنين وتشجيعهم للاستثمار بأفكارهم، وتطوير أحوالهم بالإبداع في العمل، فعندما يتمكن الإنسان من جني ثمار عمله والقدرة على إسعاد نفسه ومن حوله، فإنه سيعرف طعم الحياة ويستلطفها، ويركز طاقاته على البناء والعطاء وتأمين ما يساهم في إنجاح عمله، عندها سيخبو دور المتاجرين بالدين، وتفسد تجارتهم، ويتحرر الناس الفقراء الأبرياء من قبضتهم، ويعيشون أحرارا متفاعلين مع الحياة بالبناء والعمل الطيب الصالح النافع للناس أجمعين.
فما أحوجنا للوعي الاقتصادي والثقافة الوطنية التي تنمي روح المواطنة، وتساهم في استنهاض الهمم الاقتصادية التي تضع المشاريع الفردية والجماعية للتنمية، وتحرر الإنسان من الفقر والعوز والانصفاد بالحاجات، التي تستخدمها الكراسي للسيطرة على الناس والتحكم بمصيرهم.
وعليه فإن توجيه الأنظار نحو العامل الاقتصادي والرؤية الإبداعية في العمل والإنتاج والابتكار، لهي المنقذ الوحيد للبلاد والعباد من تجار الضلال والبهتان المدّعين بالدين.
واقرأ أيضاً:
الأخبار السلبية!! / مع احترامي لابن رشد أتساءل عن الرشد؟!! / العجبقراطية!! / الكراهية والحب!!