المجتمع العربي يستحضر الماضوية ويجهل المستقبلية، ولكي يكون ويتحقق عليه أن يستحضر المستقبلية، وهذا يتطلب رؤية موضوعية حية فاعلة في الوعي الجمعي لأخذه إلى آفاق العصر والحياة الحرة الكريمة.
فلا يمكن لمجتمع أن يكون وقد جثمت على صدره وكتمت أنفاسه أهوال الماضيات الغابرات، التي لا تعرف الرحيل بل تقيم في عقله ووجدانه وروحه وتمنعه من استنشاق هواء زمانه ومكانه.
بل حتى على مستوى الفرد، لا يمكن للشخص أن يكون ويتقدم إذا تكبل بماضيه، ولم يستحضر الصورة المستقبلية التي عليه أن يكون فيها، فالطبيب أصبح طبيبا لأنه استحضر في وعيه صورة أن يكون طبيبا، وعمل بجد واجتهاد على تحقيقها، وكذلك المهندس والكاتب والعالم، ورجل الأعمال، وأي حالة أخرى فصاحبها يصل إليها لأنه قد استحضرها في وعيه ومضى نحوها بما عنده من الطاقات والقدرات.
وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المجتمعات، وبما أن المجتمع العربي بلا قيادة ذات رؤية مستقبلية وقدرة على استحضار ما سيكون عليه الحال، فإن البشر سيعيش خاليا من الحماس والجدية في الانطلاق نحو مستقبله والتحقق فيه.
فهل وجدتم رؤية إيجابية ذات حضور في الواقع اليومي للبشر، لكي تضخهم بطاقات الوصول إليها، أم أنها أقوال فارغة لا قيمة ولا معنى لها؟
إن المجتمعات الحية المعاصرة، لا ترى بعيون الحاضر وإنما بعدسات المستقبل، وتستحضره حيا في وعيها الجمعي لكي تتمكن من معرفة آليات الوصول إليه والتحقق فيه، ولا تستحضر ما سلف، لأنه سيكون عثرة وحجابا أمام تبصرها وإدراكها للمستقبل الذي تعيشه في وعيها المتيقظ الوثاب.
وهكذا فإن المطلوب من المجتمع أن يسري فيه تيار عارم يحمل بأمواجه المستقبل ويكشفه أمام أعين الناظرين، لكي يتحمسوا نحوه ويستلهموا قدرات الكينونة التي تدفعهم إليه، وبدون استحضار المستقبل حيا وخلع الماضي وطرحه ميتا لن تقوم قائمة للعرب.
فهل من جرأة لإسقاط الماضي بالضربة القاضية واستحضار المستقبل بالهمة العالية؟!!
واقرأ أيضاً:
عقليتنا وما تَعْقِل!! / حرب تأكل قرنا!! / المُبرمَج هل يُبرمَج؟!! / القيادة وقيمة الإنسان!!