"يريدُ" الظاهرة المغفولة!!
وعينا الجمعي لا يتوافق مع صيغة الفعل المضارع في الطرح والتفاعل والإدراك، ويميل بقوة واضحة إلى صيغة الفعل الماضي، التي تتمحن فيها الأجيال وتنسحق في دوامتها العاتية المتواثبة.
ولهذا أغفل المفكرون والمثقفون والفلاسفة ظاهرة حضارية يقظوية، زعزعت أركان الوعي في مجتمعاتنا لفترة ومرت مثل ومضة، إنها ظاهرة " يريدُ". فلأول مرة منذ قرون تمكنت الجماهير أن تردد بقوة وثقة كلمة "يريدُ"، فانطلقت الحناجر تهتف بها عند مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وترددت في ربوع المنطقة هتافات "الشعبُ يريدُ".
وكان لهذا النداء الحضاري الاستنهاضي أثره المرعب على القِوى التي ترى أن لا سواها يريد. وقد استوعبت مضمون الصرخة ومعانيها، وما ستؤدي إليه من صياغات عزومة وتفاعلات إقدام وارتقاء أصيلة، فتصدّت لها وحولتها إلى وبال على أهلها.
وما يجري في الواقع منذ ذلك الوقت وحتى اليوم هو إدامة تدمير ظاهرة "يريدُ"!! ولهذا تجدها غابت وما عادت تعني شيئا، أو ترمز لإرادة جماهيرية ذات قيمة حضارية، بل تم الانقضاض على الفعل المضارع، وتأهيل الفعل الماضي الناقص ليكون سيد الكلام، فتحول إلى مستبد على السطور وطاغية على الوعي الجميعي.
وهكذا تجدنا نخاف من استعمال الفعل المضارع ونتردى في أقبية وخنادق الفعل الماضي. ولو تفحصَ كل منا ذاته وموضوعه لوجد أن الفعل الماضي يتحكم برؤاه وتصوراته ومداركه ويمتلكه تماما، ولا يسمح له بالاقتراب من الفعل المضارع المُهاب.
فالفعل الماضي موتي والمضارع حيوي مِقدام ومُكابر عَزوم؟ وما دام المطلوب إشاعة ثقافة الموت، فإن الفعل الماضي مطلوب لكي يتأكد الموت المرغوب، فلا يُسمح للشعب أن يهتف بغير، الشعب إذا قال أريد يموت، ولكم فيما جرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وما سيأتي أصدق برهان وأوضح دليل.
فهل إن الشعب سيتعلم كيف يحقق ما يريد؟!!
واقرأ أيضاً:
حرب تأكل قرنا!! / المُبرمَج هل يُبرمَج؟!! / القيادة وقيمة الإنسان!! / الماضوية الجاثمة والمستقبلية الهائمة!!