ما الذي يربطك بالحياة؟ فكر جيداً قبل أن تكمل المقالة، هل وجدت جوابا؟، سؤال آخر، ما الذي قد يربطك بالحياة من جديد، فيجعل لها معنى؟، هل يربطك بهذه الحياة شخصٌ، أم عمل، أم إنجاز، أم هدف، أم كل ذلك؟
إن من أصعب الأسئلة التي يعقبها صمت طويلٌ، وتفكيرٌ أطول هو السؤال (ما الذي يربطك بالحياة؟)، خلال ممارستي للعلاج النفسي كانت الإجابة على هذا السؤال من قبل المراجعين من أصعب الإجابات التي قد يقدمونها، وصدق أو لا تصدق، فقد كان غالبهم يفتقرون لهذا الرابط، فيكون وقع السؤال عليهم شديداً، لدرجة أنه يتنبه أن عدم وجود ما يربطه حقيقةً بهذه الحياة يشكل مركزاً هاماً لتغذية معاناته من الاكتئاب أو القلق.
"هي أشياء لا تشترى" هي موجودات في هذه الحياة إذا فقدناها أو فقدنا الصلة بها صار من الصعب تعويضها أو العودة إليها، هي روابطنا في هذه الحياة، خاصة رابطنا مع الآخرين، حيث يشكل لنا أحدهم في لحظة ما رابطاً جديداً للحياة يعطيها معنى وجمالاً لم يكن موجوداً من قبل، يعطيك هدفا وغاية، وكأنه لا يعوض أبداً.
على قدر ما يكون رابطنا للحياة قوياً، على قدر ما يكون فقدانه أقوى أثراً على حياتنا، ففقدان عزيز يجعل الصلة مع الحياة تضعف، لدرجة قد لا تعود هذه الحياة تعني أي شيء، وهذا طبيعي جداً، فالكل سرعان ما يطالب بالتعافي، فيعيد تشكيل روابطه وارتباطاته في الحياة من جديد، لكن البعض يجعلون محور حياتهم واهتمامهم وغايتهم وأحلامهم ولحظتهم شخصاً واحداً، حتى إذا فقده أو غاب عنه، فكأنه فقد الحياة كلها دفعة واحدة.
ما الذي يربطك بالحياة؟ ما الذي يعطيها معنى؟
إن إجابة هذا السؤال هي أساس البدء من جديد، الإحساس من جديد، لكي تعيش مزيداً من الحياة، فكم من إنسان على قيد الحياة، لكنه ليس على قيد الأمل. فهذا السؤال قد يعيد تشكيل فهمك لما يجب أن تكون حياتك عليه، مروراً من بوابة التساؤل حول (ما الذي يربطك بالحياة؟).
لتشكل روابطاً لحياتك، تغذي احتياجات الإنسان فيك، توقد الأمل والمعنى، تمد الأهداف والغايات، فأنت بحاجة للنظر منظوراً بانورامياً في محيط حياتك، فهنالك من جعل الأشخاص هم روابطه في الحياة، وهنالك من جعل المركز الوظيفي، أو المهنة، أو الإنجاز هو الرابط في الحياة، وهنالك من ذهب الى بُعدٍ أعمق، فجعل من إيمانه بالله، ورضاه بقدره غاية الغايات والارتباط بهذه الحياة، كُلٌ يغني على ليلاه كما يقال، لكن الواضح أننا نحتاج الى أن نكَّون روابط لنكون على موعد مع الحياة كل يوم.
من الواضح أيضاً أن فشل الناس في تحقيق روابط مع الحياة سيقود إلى اضطرابهم، وزيادة مخاوفهم، وتقلب أمزجتهم، وميلهم للعزلة والشعور بالعجز في بعض الأحيان، فما الذي قد يوقظك في صباح يومٍ ما دون منبه الساعة، فتفيق نشيطاً متشوقاً لأنك على موعدٍ مع الحياة؟ يبدو أن الروتين يلقي بظلاله على حياتنا حتى يفقد بعض الناس مع المدة هذا الشعور، فيفيق في كل صباحٍ بعد موعده بوقت، بجسمٍ ثقيل، لا يرغب بالإفاقة، ودافعٍ كليل لا يكفي ليخرجه من السرير، ومن هذا الباب قد يتسلل بصمت أحد المشكلات التي ذكرناها، لتصبح الأشياء والحياة ثقيلة معاً.
لا تجعل رابط حياتك شخصاً ما فقط، لأنه عند غيابه ستغيب معه الحياة، لا تجعل رابط حياتك مهنتك فقط، فمشاكل المهنة مع المدة ستهدد استقرارك النفسي، لا تجعل رابط حياتك الرغبة في الإنجاز فقط، فستمضي بعض الأيام التي يتعذر فيها الإنجاز فتشعر أنك بلا فائدة،....، عزز روابط حياتك ما استطعت، حتى إذا جف منها نهرٌ شربت من آخر، اسعى للتوازن والاستقرار، من خلال روابطٍ متعددة، فيها أشخاصٌ، وعملٌ، وإنجازٌ، ومباديء، والأهم الأهم الإيمان بالله عز وجل.
عمّان 30/9/2019
ويتبع>>>>>> : مرآة النفس2 الإطار الذهبي
واقرأ أيضاً:
نحمل في داخلنا (٢) : الحاجة للأمان / بالعلم قاوم (3) / سيكولوجية الضواري / ما هو الحزن ؟