المجتمع الدولي يحترم الذين يضعون أوطانهم أولا، ويعملون بجد وإخلاص لبنائها وإعلاء قيمة المواطنين فيها، ويحتقر مَن يكون تابعا وأجيرا وعدوا لشعبه، ويعمل على محق قيمته. فأي نظام لا يضع وطنه أولا يكون مهانا محتقرا ومستأجَرا لتنفيذ أجندات الطامعين ببلاده.
فالشعوب الحية المعاصرة تتخذ من أوطانها مرجعيات لتقييم وتقدير ما تقوم به، لأن سلامة الأوطان وعزتها وكرامتها وما يصيبها ينعكس على مواطنيها، فلا شيء يعلو على الوطن، فهو المرجعية الأولى والأخيرة. وهذه بديهية بقائية تمضي على نهجها الشعوب والمجتمعات التي تعيش بحرية وكرامة وقدرة على العطاء والنماء وتأكيد السيادة.
أما الشعوب والمجتمعات التي تضع مرجعيات أخرى فوق مرجعية الوطن، فإنها تعيش في متاهات وصراعات وتداعيات، وانفلاتات سلوكية وفساد عميم. والأمثلة على ذلك كثيرة، ويمكن الإتيان بما لا يُحصى منها، فدول أوربا الشرقية عندما انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، لم تكن لمعظمها مرجعياتها حزبية أو غيرها، وإنما احتكمت إلى مرجعية الوطن، وعلى ضوئها أسست لنظام حياتها الجديد، أما التي ارتأت غير ذلك فإنها دخلت في حروب أهلية غاشمة لم تؤدي إلى نتيجة وطنية نافعة.
وفي الدول العربية العديد من المجتمعات تناست المرجعية الوطنية وتبعت مرجعيات أخرى دينية ومذهبية وطائفية وحزبية، فأصابها الويل والنكذ وتمزقت كياناتها وتخربت أوطانها واجتاحتها القوى المتربصة لها فأتلفتها أيما إتلاف. وبسبب غياب المرجعية الوطنية، ترعرت فيها حكومات ذات ميول للتبعية ولتنفيذ أجندات الطامعين بالبلاد التي تميعت خصائصها ومعالمها، وصارت المسميات الأخرى تعلو عليها وتتحكم بها، وبغياب المرجعية الوطنية تدهورت أحوال المواطنين وأصابهم الوجع المقيم.
ولا بمكن لأي مجتمع أو شعب أن يكون بخير إذا لم يعتصم بالمرجعية الوطنية ويتخذها مقياسا لكل سلوك يتحقق فيه، أما إذا تغلبت على المرجعية الوطنية مرجعيات أخرى، فإن الوطن سيعيش في دوّمات الانهيار المبيد.
فاعتصموا بمرجعية الوطن لكي يكون الوطن بكم حرا عزيزا!!
واقرأ أيضاً:
الشعور!! / الذات الفتات!! / النهضة والفكر!! / أحبُّ الفلسفة ويوجعني الفلاسفة!!