من أنت؟........... هل أنت الإنسان الذي تريد وترغب بأن تكون؟.... هل يطابق واقعك توقعاتك التي كنت تحملها دائماً؟ ....... يعتبر هذا النوع من الأسئلة من أسئلة الهوية, ومراجعة الذات، والتي تتعلق بجزءٍ منا بالمقارنة مع الإطار الذهبي،..... فما الذي نعنيه بالإطار الذهبي؟
تبدأ قصة الإطار الذهبي من قبل يوم مولدنا، فمن اللحظة التي يعلم أهلنا فيها عن الحمل، تحمل أذهانهم مباشرة صوراً وتوقعات كثيرة، ومع صرختنا الأولى، يولد في أذهان عائلتنا إطارٌ يحيطوننا فيه، فقد صرنا الآن واقعاً وحقيقة، فيصوروننا في داخل أذهانهم كما يتمنون، ويرسمون لنا خطوط مستقبلنا كما يحلمون، ويقررون ما يتوجب أن نكون.
📈 نكبر ونكبر مع كل يوم، وتكبر التوقعات، وتزيد المطالبات لنكون الصورة التي رسموها داخل الإطار الذهبي، قد يتقبلنا الأهل كما نحن مع المدة، أو تبدأ المطالب بأن ننطبق في داخل ذلك القالب بلطف أحياناً، أو من خلال تقليمنا وتشذيبنا كأحد أشجار الزينة، فقد حدد الإطار ما عليك أن تكون، وما يجب أن تكون.
مع مشوار النضج قد تهب رياح الإحباط في بعض الأحيان، فكم سيكون محبطاً إذا تصرفنا تصرفاً يوحي للأهل بالتهديد والخوف على مستقبلنا غير المعلوم بعد، كما هي عادة البشر فهم يقضون وقتاً بالخوف والقلق من حصول أمورٍ لن تحصل أبداً، لكنهم سيتصرفون وكأنها تحصل الآن، وبعض التصرفات قد تؤدي إلى الخروج من منظومة الإطار الذهبي المُعد في أذهان أهلنا، وقد يكون خروجاً بلا رجعة، مما يدفع بعض الأهالي إلى السعي حثيثاً لعمليات القولبة والانطباق القسري، فأنت يجب أن تكون على مقاس الإطار الذهبي شئت أم أبيت، كيف وقد تم تفصيل الإطار أولاً، إذا فالأسلم أن توافقه أنت.
بمرور الزمن قد نتبنى إطار الذهب الذي صنعه أهلنا، وبحكم الواقع قد لا ننطبق بحذافير الزوايا والخطوط كما تم إعداد ذلك مسبقاً، فتنتابنا نوبات الإحباط والشك في قدرتنا على أن نكون على قدرٍ من الكفاءة أو القبول أو القيمة، فعدم انطباقنا سنراه أنه ذنبنا لنقصٍ فينا، رغم أن السبب الحقيقي قد يكون في المعايير المستحيلة التي وضعناها لنكون على قدر الحجم والرسم والصورة والشكل كما في الإطار الذهبي.
إن التمرد على الإطار، والمطالبة من قبلك بأن تكون أنت ثم أن يتم تفصيل الإطار لاحقاً، هو من الأحداث الحياتية التي قد تمُر بها أيضاً، حيث لا يوجد سيناريو وحيد لما قد يحصل مع مرور الزمن، وكم ستكون خيبة أمل أهلنا كبيرة حينها، كيف لا، ونحن لا ننطبق في داخل الإطار الحُلم المنسوج من خيوط الخيال على مغزل الأمنيات، كيف لا وقد حرمناهم لحظات انتظروها بفارغ الصبر، وعلقوا عليها إطراءات الناس الدافئة، فكم انتظروا، انتظروا، ثم انتظروا أن نكبر ليفخروا بنا، ويزهوا بأنفسهم وحسن نتاجهم التربوي، عند ذلك الحين سندخل قائمة التقويم، وتاريخ تمردنا سيصبح الذكرى، فيتذكرون وهم يتنهدون كمن ضيَّع كومة أحلامه في ثقب إبرة (أتذكر يا أبا فلان عندما كان فلان كما نريد، آييييه، والآن صار ما صار وحصل ما حصل)، وكأننا احتللنا حدود أحلامهم، فجعلوا لحظة ظهور هويتك، قبل أن كان، وقبل أن صار، ذكرى تمردك وعصيانك السنوية.
لن تتوقف الأيام لحظة، فحتى لو عطلت أنشطتك، ستبقى عقارب الساعة تلاحق بعضها بعضاً معلنة كل يوم عن الساعات تمر والأوقات تمضي، فنحن نتقدم في العمر مهما قاومنا ذلك، ليس الأهل دائماً هم سبب المشكلة، فهذا سيناريو لبعض الظروف، لكن في ظروفٍ أخرى، قد نكون من يلعب اللعبة مع نفسه، ويصنع إطاراً أكثر تعقيداً من ذي قبل، فشكَّلنا إطارنا الذهبي الجديد لينقسم لعدة اُطر، ليكون فيه صورتنا التي نتمنى، وحياتنا التي نتوق لأن تكون، ومستقبلنا الذي نتشوق إليه، وأهدافنا التي نصبو لها، حتى إذا كان ذلك واضحاً لنا - وقلما يكون الأمر ظاهراً بوضوح- نكون قد جعلنا من أنفسنا تبعاً لإطارٍ ذهبيٍ جديد، وقد يبدو الإطار الذي صنعه الأهل لنا سابقاً أرحم منه في المتطلبات والغايات.
إلى أي مدىً قد يطابق الواقع الحقيقي توقعاتنا، أو يطابق أحلامنا وافتراضاتنا، الى أي مدىً قد يكون الواقع مطيعاً لينطبق في داخل الإطار الذهبي، وينام في داخل ذلك القفص الذهبي كقطٍ وديع، أو كزهرة تتألق في داخل القارورة الخزفية بأبهى صورتها؟
إذاً فمسألة الإطار الذهبي، تشبه إلى حدٍ بعيد، من يضع قانوناً ليحمي نفسه والناس، ثم يصبح هذا القانون سبباً لمعاناة الجميع، لعدم المرونة، ولقلة فهم روح القانون وغاياته، فيصبح تبعاً للمعايير التي بلا سقف ولا حدود، مما يعيق حياته، ويقلص إمكانيته، ويقيد قدراته، فمهما تفعل فلن تصل لذلك الكمال، فيضيق عليه كل اتساع العالم.
لتكون وجهتك سليمة، افهم غايتك وحقيقتها، افهم كيف تُشكّل الإطار الذهبي فلاعيب في الإطار إن كان مناسباً، إن كانت حدوده ضمن الواقع أو حتى المستحيل المتاح، فلولا وجود إطارٍ نصبو له ما تحركنا ولا بذلنا جهداً ولا عدَّلنا مسارانا في الحياة، فابحث عن الجوهر لا المظهر في أهدافك، ولا تقيد نفسك بقانون وضعته أنت، إن كان القانون من الدين أو من المنظومة الأخلاقية فهذا أمرٌ لا بأس فيه، أما أن تصنع قفصاً وتغلقه على نفسك وتقنع نفسك أنك أسيرٌ فيه لأنه ذهبي القضبان، فهذا سجنٌ وثير، وأنتَ سجينٌ مخملي المعيشة.
أنت حر، نعم أنت حر مما قد تقيد به نفسك، فبعض الأهداف قيد، وبعض الغايات سجن، وبعض المطالب غربة، لكن وحتى لا تضيع البوصلة، وحتى تدرك وزن وحقيقة وأهمية الأهداف والغايات والمطالب، احفظ القاعدة التالية: انظر لكل مرغوباتك ومتطلباتك بعقلك لا بعاطفتك، فمعظم ما نريد نتمناه لأننا نحب ذلك، بغض النظر عن قدر مناسبته لنا، وواقعية تحقيقه أو الوصول له، كما لا بد لك من فهم طبيعة الحياة وقوانينها وما هي عليه، فلكل شيءٍ مسار، ولكل طريق ما يناسب المرور عليه، وإلا ستكون كمن يصنع أفخر سيارة ذات عجلاتٍ مربعة الشكل، فمهما كانت روعة صناعتها، فلن تكمل المسار على الطريق، أو ستكون مسألة وقت قبل أن تتهشم.
عمّان 7/ 10/ 2019
ويتبع>>>>>> مرآة النفس3 قنطرة الجِسر
واقرأ أيضاً:
بالعلم قاوم (3) / سيكولوجية الضواري / ما هو الحزن ؟ / مرآة النفس1 الارتباط بالحياة