* حبيبنا العراق!!
أحب العراق موطني الذي ولدت فيه، وعبقت من نسمات هوائه وشربت من مياه نهريه وتكحلت عيوني بترابه، ورضعت فيه من صدر أمي حليب الأجيال، وتمتعت بأحضانها بالحنان والعطف والدفيء اللذيذ.
أحب العراق وأنا أحبو على أرضه وأحاول أن أنطق بعض كلمات لغة الضاد، فأبعث في قلب أمي عناصر البهجة والشعور بالامتنان والانتماء للأرض والإنسان.
أحب العراق وأنا أمضي مع أمي لأزور مراقد الأئمة وأستمع برهبة وعجب، لتلاوة القرآن والتواشيح النبوية في مدينتنا الغارقة بحلم الحضارة والسيادة والعزة والكبرياء.
أحب أصدقاء طفولتي وصديقاتي ومدرستي الابتدائية ومعلميها، والتي درس فيها أبي وأقاربي، وأستعيد ذكريات أيامي الجميلة في أروقتها وحدائقها الغناء، حيث كنا نجلس لكي نرسم شجرة الصفصاف التي هي بعمر مدرستنا آنذاك.
أحب شوارع مدينتي وأزقتها الضيقة وشناشيلها ودربونتها الأثرية الخالدة المزدحمة بالحب والحياة والتفاعلات الاجتماعية الطيبة، وأحن لديوانها ومقاهيها ومياهها وضفافها وكهوفها ومعالم حضارتها ومراقدها، ورجال دينها وأدبها وفنها ورياضييها وشبابها المفعم بالحيوية والطموح والثقافة والعلم والأمل.
أحب تمورها وأعنابها وأثمارها وخضارها، وبائع اللبلبي والباقلاء والعنبة والشلغم وشعر البنات والكركري والبيض المسلوق والكاهي، وقيمر الصباح والبقلاوة والزلابية والكعك والبقصم، وأكلاتها الشعبية وأعراسها وحفلاتها ولياليها الساحرة المعطرة بالضحكات.
أحب مكتبتها ونواديها وجلسات شبابها الثقافية والفنية ونشاطتها الرياضية ومهرجاناتها، وتفاعلاتنا على رمالها ومباراتنا في شوارعها وساحاتها ومزارعها وبساتينها، وسباحتنا في مياهها وصيدنا للأسماك والأطيار، وجولات بحثنا عن الكمأ في أطرافها بعد أن يسقط المطر ويربو العشب وتتباهى الماشية برزقها الوفير.
أحب مدينتي وفيها أحب العراق.
أحب الجبال والسهول والهضاب والتلال والآثار والأنهار والبحيرات والوديان في شماله الغني بالأطيار والأزهار.
أحب آيش وشيرين وكلايش ونورهان وحمه علي وكاكا أمين وعلي وعمر وبا بكر، وغيرهم من أصدقائي ورفقة أيامي ذات وقت بهيج، في سنكسر وجوارقرنة ووادي شهيدان، وشوارع السليمانية وأربيل ودهوك، ومصيف صلاح الدين وشلالات علي كلي بك وجبل قنديل الذي يحتفل بآيات الجمال والحب كل ربيع.
وأستعيد ليالي السليمانية الباردة مع الأخوة والأصدقاء، وجمال بناتها وروعة أسواقها ورقة الابتسامات ووداعة النظرات، والأوقات التي قضيناها نخوض ونسبح في مياه الشلالات. ومزارع التبغ وطقوس جنيه وتحضيره والرائحة المنعشة التي تفوح في أرجاء الحقول. وخرير المياه وتغريد الطيور والقبج الذي يتربع على سفوح الجبال، ويتباهى بجمال ريشه وعذوبة صوته.
أحب الموصل وغاباتها وشارع حلب والدواسة ومجموعتها الثقافية ومركزها الثقافي، ومتحفها ونهرها وجسرها وأغانيها، ولهجة أبنائها وتنوع ملابس الناس في شوارعها.
وأحب قوزي الشام واللحم بالعجين والباسطرمة في مطاعمها، والقيمر بالعسل والشاي بمقاهيها في صباحات أيام الجمع المعطرة بتراتيل القرآن الكريم.
أحب الربيع ومهرجاناته واحتفالاتنا بأعراسه وأسترجع أغنية الربيع لفريد الأطرش، التي تصدح بها المحلات وترددها الأفواه.
أحب كركوك وأحن لمدنها وقراها ونواحيها وشوارعها ومطاعمها، وأبنائها وطراوة أحاديثهم وحلاوة وجوه بناتها، وأحب مدينة ألتون كوبري وأتذكر المساءات الجميلة على نهرها المتهادي، وأنا أصغي لكلام العاشقين المتيمين بالحياة والغرام العميق، وأعبّر عن عشقي للمرأة والنهر والجمال والطبيعة وأحلم بصناعة الآمال والطموحات.
أحب صلاح الدين وأهلها وسامراء ورقيها وبطيخها وسمكها ومرقدها وآثارها وملويتها ، وتكريت وضيافة أهلها وعروبتهم، والدور وخرنوبها وفكاهة الناس فيها، وبلد وإمامها، والضلوعية ذات البساتين الغناء والحدائق الوارفة، والدجيل ومحطة قطارها وعروبة أهلها ونخوتهم وحسن ضيافتهم وطيب طعامهم.
أحب ديالى وبعقوبة وبساتينها، وأتلذذ ببرتقالها ورمانها وأعنابها، وأتذكر ضيافة أبنائها وكرمهم وطيب معشرهم.
أحب الرمادي والفلوجة بتأريخها وملاحمها ورجالها الأشداء، وأستعيد ذكرياتي مع أصدقائي فيها ومنهم الشاعر والكاتب والعالم. وتنعش روحي الصحراء وتجعلني أقف مباشرة مع أسرار القوة وأصل الوجود، وأنا أرتدي ملابس من السراب المتماوج كأنه الأفق في البحار والمحيطات.
أحب بغداد برصافتها وكرخها، وأئمتها أجمعين وجوامعها وكنائسها ومعابدها، وشارع الرشيد والسعدون والنهر وسوق الغزل والصفافير، وساحة التحرير ونصب الحرية وساحة الرصافي، ومطاعمها وكبابها وهمبركر أبو يونان وشربت جبار، وساحة السعدون الفياضة بالحياة، والمنصور ودوندرمة الرواد واليرموك وأسواقها والعامرية، والكرادة وأبوقلام وشارع أبو نؤاس، والجادرية وساحة الحرية ومطعم فلس والفقمة، ومساءات الخميس حيث تزدحم بمواكب الأعراس. وشارع فلسطين وحلويات الطارق ومرطبات نادية والجامعة المستنصرية، وأيام كنا في تفاعلات الشباب المتدفقة بكل إبداع وأمل.
أحب الحلة والنجف وكربلاء والكوفة وأعشق السير فيها، والتخاطب مع أهلها وزيارة مراقدها وجوامعها وأتأمل أبناءها.
أحب الناصرية وواسط والمثنى والديوانية، وأتذكر أيام كنت أجوب شوارعها مع الناس الساعية إلى رزقها وعملها، بجدٍ وفرحٍ ونشاط يبعث على السعادة والألفة.
أحب العمارة وجسرها وأسواقها التي تكتظ بالصيد والطيور والبط، وأهوارها والجبايش والمشحوف وقصب البردي، والأطيار الجميلة التي تزقزق في غاباته.
أحب البصرة وعشتارها وبساتين نخيلها وشط العرب الذي تتماوج فيه الحياة، وأريد أن أعود إلى أصدقائي وصديقاتي، وحبيبتي التي ضاعت في غابات النخيل وزحمة الويلات.
أحب العراق بعربه وأكراده وتركمانه وجميع أقلياته الطيبة الأخرى، وأشتاق لدباكات الشمال والجوبي والربابة والمطبك، ولأغانينا المصدحة في الأنهار والوديان والأهوار والشوارع والحارات والبيوت. وأحن لأصوات ناظم الغزالي وزهور حسين ومحمد القبنجي ويوسف عمر وفرقة الجالغي البغدادي، وحضيري أبو عزيز وداخل حسن وعفيفة اسكندر وعبد الجبار الدراجي، وجبار عكار وهو يداعب ربابته ويبوح بأشجى ما في روحه من أنغام.
أشتاق للمسرح الوطني والفرقة القومية للتمثيل ولضربات العود، ومقامات الطرب والهيام الجميل في ليالي بغداد الحالمة بالسلام والرخاء. ولمكتبات العراق ومتاحفه ومعارضه الفنية، وجامعاته ومقاهي الأدباء في شارع الرشيد، ومتحف الفن الحديث، والكتب في شارع المتنبي، ولمنابره الثقافية وعقوله العلمية ولذة اللقاءات، التي كانت تجمعنا على موائد المحبة والألفة والصدق والنقاء.
أحب الحب الذي رضعته بشغف ولذة من أثداء العراق
أحب العراق وحسنه الخلاب وأيامه العذاب، وبساتين البرتقال والرمان والأعناب.
أحب العراق موطن آبائي وأجدادي ومنبع الحضارات والقيم ومبعث الرجاء والأمل والأطياب.
أحب دجلة والفرات وشط العرب والنخيل والأشجار والقصب وعناقيد الأرطاب.
أحب بلادي وأعشق الأرض والماء والسماء والناس في العراق أجمعين، فكلهم أحباب.
فلا تقولوا إنك مجنون وتبوح بالعجب العجاب!!
لأن "بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام"
ولسوف ينتصر العراق، لأنكم جميعا تحبونه أكثر مني!!
* المقال منشور قبل أكثر من عقدٍ ونصف
واقرأ أيضاً:
سيشرق العراق!! / عندما تنطلق الشعوب!! /الفساد والبقية تأتي!! / الوطن القائد!!