يجب أن يفهم البنات علاقاتهم العاطفية مع الشباب بشكل أكثر شمولية من مجرد "أحبه ويحبني"
الاقتصار على مفهوم الحب والشوق الذي يناطح الواقع والظروف ويتوقع مستقبلا مشرقا
... يشكل فكرة طفولية عن المجريات، وفجأة يقول لها الشاب: أعتذر، لا يمكنني أن أستمرّ معك...
ثم تبدأ الاتهامات لجنس الرجال (جبناء، غدارون، انتهازيون...)
طبعا إن نظرنا للعلاقة من وجهة نظر "الأنثى" فهي تتخيّلها حبا أبديا يرسم معالم حياة سعيدة مليئة بالاستقرار والأمان العاطفي والأطفال الكيوت.. الحبّ عندها يساوي الالتزام والوفاء بغض النظر عن كل شيء.. فكل شيء يسهل إيجاده إلا "الحبّ ومشاعره الجميلة"...
وجهة نظر الشاب مختلفة قليلا، ولا أتحدث هنا عن صورة "الرجل الحقير الذي يسعى للتمتع ليرميها فيما بعد".. هذه صورة مبتذلة وسطحية تُقدّم للفتاة على أنّها معيار للحكم فلمّا تجد شابا صادقا عطوفا تعتقد أن المشكلة قد انتهت، وتُرخي دفاعاتها، لأن قصة حبهم ستكون رائعة دائمة عكس تلك الفتاة الغبية وذلك الرجل الذئب ! .... لكنها قد تنتهي هي أيضا.
القضية ليست قضية صدق مشاعر، بل هي قضية "إدراك مخدّر" اتجاه الواقع. الكثير لا يستطيع أن يتخلص من تجربة الحب حتى لو شعر أنه في مأزق، وخصوصا البنت، مشاعر جميلة من الثقة والحيوية والرضى عن النفس... أن نكون محبوبين، أن نشعر فجأة أن كل تفاصيل الحياة صار لها معنى خاص.. لا تستهينوا بهاته "الولادة الجديدة" ! وكلما كان الإنسان محافظا متمنعا ويحتقر العلاقات العاطفية وينكر حلاوتها، كلما كان انغماسُه يوم يكتشِفها طفوليا وعنيفا وارتجاليا.
لذا قد ينخرط الشاب عاطفيا ويحبّ بصدق، وقراره بالانفصال لا يعني أنه كان متلاعبا وحقيرا، بل كان هو أيضا يعيش في وهم أو حُلم لم يتحقق... والسبب أنّ الحب عند الرجل يتداخل مع المسؤولية وثقلها، فهو من تُرمى عليه المسؤولية النفسية والاجتماعية للإبقاء على العلاقة وإخراجها بطريقة مقبولة لدى المجتمع. في حين أن المرأة تتمسّك بالحُلم وتنتظر أن يتحقق، تشجيعها وتأييدها سند نفسي كبير، صبرُها قد يتجاوز ما نتخيّله، لكنّه صبر ينتظر الفرج ولا يخلُق واقعا جديدا، قد تُنفق من مالها لتُساعده لكنها لن تقوم بدور "رجلها" فحتى هي لن تقبل بحبيب لا يقدر على فتح بيت، فهذا يدمر صورة الرجل عندها. وحتى إن قامت بدوره، فهو لن يشعر بالرضى والسعادة أبدا، وإن وقع مشكل سيلومه المجتمع هو لا هي.
هو لن ينتظر التغيير بل يجب أن يصنعَه وكلما تأخر الوضع كلما انخفض تقديره لذاته واحترامه لنفسه، كلما صار ذليل النفس جبان العزم، وأن السنين تتقدم برفيقته وهو ملزم أكثر وأكثر بالوفاء بوعده ولملمتِ نفسه قبل أن تشيخ بين يديه.. هذا الثقل لا تعيشه الفتاة، وتراهن على تحسّن "مُحتمل" لظروفهما، قد تعيش "لاعقلانية" تعطيها صبغة دينية: إيمانها بأن الله سيعوّضها وهو على كل شيء قدير (وكأنها اتخذت عند الله عهدا!) وبضعة أفكار من قبيل: الله لا يضيّع الذي يريد الحلال، وأن فلان أو فلانة بدؤوا فقراء وصاروا أغنياء (استدلال تحيزي يتجاهل آلاف الحالات بدأت فقيرة وبقيت كذلك أو ربما ازدادت سوءً)... وعندما يرفض "إحساسها بالفرج" وكأنما رفض الفرَج نفسَه ! وتراه مُتهرّبا متشائما (لأنها تعيش التحدي نفسيا أكثر من عيشه له واقعيا)
المهم، قد تقبل بعيشة فقيرة، لكنه يرفضها لأنه لا يتصور الحياة الزوجية وتربية الأطفال بتلك الطريقة البئيسة... فالأسرة امتداد لفخره كرجل وأناقته كشاب متحضّر، وأي بهدلة للأسرة سيكون هو محط اللوم والمؤاخذة.
بهذا قد يضطر هو أيضا بكل صدقه وعاطفته ورمانسيته ووفائه أن يُنهي العلاقة، بعد أن اكتشف أنه عاش قصة حب حقيقية لم يكن فيها متلاعبا ولا خبيثا كما يُصور ذلك الخيال الجمعي للنساء (دون وضع أي استثناء، فالبطل من استمرّ والحقير من تخلّى)، أو تُصوره المواعظ، اختلافُه عنها يكون بجرأته على إنهاء علاقة لا مستقبل لها، قرار مؤلم تتضرر فيه البنت كثيرا، خصوصا إن وقع شيء بينهما (قلّ أو كثُر)، تكون هي الخاسرة الكبرى، ترى نفسها وقعت ضحية لنزوة عابرة وتمثيلية ساخرة، بسبب التبعات العاطفية والاجتماعية، وقد تفهم من اتخاذه لقرار الانفصال أنه لم يكن صادقا، وهذا خطأ...
فإن استمرت العلاقة فهي لا تُقدم سوى تصورا فضفاضا لمستقبلهما، بعد ثمان سنوات مثلا كيف سيكون وضعها إن بقي عاجزا عن فتح بيت؟ نصف تلك المدة كافية لتركه ونسيانه وفتح باب الزواج وهي صغيرة...
خطأ واحد ثم العودة للرشد وبناء حياة جديدة بعيدا عنه، أفضل أم تبرير استمرار العلاقة العقيمة بسبب ذلك الخطأ بدعوى أنّ يوما ما سيتزوجان، ما الضمانة؟ الخروج من مخالب تلك العلاقة لتعيش واقعا آخر يتقدم لها رجال بظروف مناسبة وربما أفضل مما تنتظر من رفيقها أفضل أو انتحار بطيء تخرج منه ناقمة على الله الذي تمنّت عليه، وعلى الرجال وعلى الدنيا كلّها !
واقرأ أيضاً:
لماذا لم تأخذ متمرسة في الجنس؟ / المثلية بصفتها معاناة ! / الجنس وأزمة عقلنة الأخلاق