ما جلس الدين على كرسي ونفع، فحالما يكون في الكرسي يجني على نفسه وأهله، وتلك حالة متكررة في الواقع البشري منذ مطلع الحضارات وحتى اليوم، وعانت من هذا الجلوس معظم المجتمعات، وأكثرها اتعظ وتعلم دروسه وحرر الكراسي من الدين، فانطلق في مسيرة بناء حضارة متميزة تمثل ما فيها من الخصائص والطاقات والقدرات الإبداعية والابتكارية.
وبعض المجتمعات مرهونة بدينها ومستعبَدة بعقائدها ومعطِّلة لعقولها، فأصابتها الويلات وداهمتها التداعيات، وصار دينها عدوها وعدو الحياة. والسبب أن الأديان تتعامل مع موضوعات غيبية، وترسم تصوراتها ومنطلقاتها وفقا لما تراه وتؤمن به، ولا يمكنها أن تحيد عما تعتقده، وأكثرها يحسب بيده الحق المطلق وغيره لا يملك إلا الباطل والبهتان.
فكل دين هو دين عند أهله ولا دين عند غير أهله، ولا يوجد دين يقر فعلا بوجود دين، مهما توهمنا وتصورنا بأن هناك تسامحا وتآلفا وغير ذلك من مقتضيات الحياة، التي تفرضها المصالح المشتركة والاعتبارات الأخرى التي لا علاقة لها بالدين.
أي أن الأديان لا تساهم في بناء الحياة الحرة الكريمة بين المجتمعات، وإنما هي من أهم أسباب الحروب والصراعات على مدى التأريخ، فمعظم الحروب التي خاضها البشر ذات دوافع دينية، وأعتى الجرائم بحق الإنسانية ارتكبت لأسباب دينية بحتة، فعندما يتخذ الإجرام صبغة دينية فإنه سيكون الأفظع والأفتك، وهذا ما تنبؤنا به مسيرات الصراعات فوق التراب.
ومن الواقع المعاصر ما يحصل في المنطقة حيث العمائم تستحوذ على الكراسي، وما قدمته هو الخراب والدمار والصراعات وتنمية الفساد والثبور والخسران المروع لأبسط معاني ومنطلقات الدين، حتى صارت الأجيال الصاعدة تنكر الدين.
ولا يمكن للمنطقة أن تكون بخير إن لم تتمكن الأجيال من إبعاد العمائم عن الكراسي، وتأكيد دور المواطنة الصالحة، والعمل بموجب دستور مدني معاصر يراعي مصالح الناس، وفقا لمعايير إنسانية ترعى حقوقهم وتضمن كرامتهم وحريتهم في الحياة.
أما القول بالديمقراطية والحرية وغيرها من المعاني في زمن تتعمم فيه الأشياء وتتلحى وتتطرر، فأنه أشبه بالثريد حول الصحون، لأن بيت الداء وجوهر البلاء يتلخص بما تقوم به العمائم المستحوذة على الكراسي، وما دامت الكراسي معممة، فلا خير يُرتجى، ولن نحصد إلا العصف المأكول.
فهل من قدرة على إزاحة العمائم من الكراسي وردها إلى مواضعها؟!!
واقرأ أيضاً:
أعداؤنا أصدقاؤنا!! / نحن ضدّ نحن!! / مَن يرفع راية الإسلام يدمّر الإسلام!!