ما نسميه بالديمقراطية في مجتمعاتنا، تَرافق مع جهل مروّع، وصارت الثوابت والمعايير تُقدَّم بآليات وأساليب غريبة ومنافية للقيم والأخلاق الوطنية والإنسانية، ولا تمت بصلة إلى الديمقراطية، بقدر ما تتقنع بها، وتتوهم بأنها تعبر عنها. فاتخذت حرية التعبير عن الرأي، مسارا للتعبير عن الشر، بكل أنواعه ووسائله، ومنابره. فأصبحنا نكتب بحبر الشر، وندّعي بأنها حرية التعبير عن الرأي.
والعجيب في أمرنا، أنّ الذين حوّلوا حرية التعبير عن الرأي، إلى حرية التعبير عن الشر، هم من الذين يعيشون في مجتمعات ديمقراطية، ووفقا لقوانينها وأنظمتها، تمكنوا من إنشاء الصحف والمؤسسات الإعلامية التي صارت موطنا لحرية التعبير الفظيع عن الشر. وقد أسهمت حرية التعبير عن الشر، بالتداعيات الحاصلة في مجتمعاتنا التي قامت بمحاولات توهمت بأنها ديمقراطية، وما هي كذلك، ولم تؤكد في سلوكها وأنظمتها بأنها على صلة ومعرفة بها.
إنّ حرية التعبير عن الرأي تعني أن يكون الرأي بنّاءً ومتصلا بموضوع يهم المصلحة العامة، ووفق ضوابط ومعايير سلوكية لا تخل بشرف الوطن والإنسان، وتحترم الآخر بكل ما فيه، وتستند على الأدلة والحجج الواضحة والمعلومة الصحيحة، المنوِّرة للفكر والمهذِبة للسلوك.
وأنْ يكون التعبير عن الرأي هادفا ومسترشدا ببوصلة الحفاظ على سلامة الإنسان والوطن والكيان القائم في المجتمع.
فلا يسمى الهجوم المشين على الأشخاص، والكتابة بإنفعال وغضب وكلام بذيئ، تعبيرا حرا عن الرأي. ذلك أنّ تجاوز حدود الأدب والأخلاق والمقاييس الحضارية اللازمة لبناء المجتمعات المعاصرة، لا يُحسب إلا تطاولا واعتداءً، وهناك قوانين تهذب هذا السلوك وغيره.
وما يحصل في مجتمعاتنا، أننا نتشاجر، ونستخدم مفردات سلبية، ونكيل الإتهامات لبعضنا، وندّعي ما ندعيه، ونحسب ذلك حرية التعبير عن الرأي، وما هو كذلك على الإطلاق.
إنّ التعبير عن الرأي، له ضوابطه الأخلاقية والسلوكية، ولا يوجد مثل ما نكتبه في صحف الدنيا الديمقراطية. فلا يمكن أنْ تنال من الوطن، وتتعرض للأشخاص، والمعتقد واللون وغيره من الصفات التي يتميز بها الناس، وتحسب أنك تسلك سلوكا ديمقراطيا.
في المجتمعات الديمقراطية، إذا تعرضتَ لمعتقدِ إنسان آخر سيحاسبك القانون، وإنْ تهجّمت على آخر ستتعرض لمساءلة القانون، وإنْ وصفتَ أي إنسان بما لا يرغب، ستصبح تحت طائلة القانون. أما إذا كتبت عن إنسان ما دون موافقه، فأنت والصحيفة التي كتبت فيها ستكون تحت صولات المساءلة والمحاسبة. والقوانين صارمة وفورية ولا تقبل المماطلة والمساومة إطلاقا.
فالذين يحسبون حرية التعبير عن الشر، حرية تعبير عن الرأي، يعرفون ذلك جيدا، مما يجعلنا نتساءل، لماذا يكتبون بحبر الشر، ولا يؤسسون لدعائم التعبير عن حرية الرأي، وفقا لما يرونه من حولهم في المجتمعات التي هم فيها؟
إنّ مجتمعاتنا، وأقلامنا في مأزق أخلاقي وسلوكي عليها أن تواجهه، قبل أن يطغى الشر، ويحترق الجميع في سجير الخسران والهلاك الأبيد!!
فهل سنعبّر عن حرية الرأي حقا، أم سنبقى ندين بحرية التعبير عن الشر؟!!
واقرأ أيضاً:
تعطيل العقل بالدين!! / مؤهلات ضعفنا وإضعافنا!! / الحكام العرب والتمسك بالكرسي!!