اضطراب نتف الشعر: الأسباب أو العلية
قد يبدو أمر تشخيص اضطراب نتف الشعر Trichollomania أمرًا بسيطا للبعض، فالموضوع شارحٌ نفسَه، إنسان ينتف شعره، شعرةً شعرةً أو حتى بالجملة!، إلا أن الأمر في حقل الممارسة الطبية ليس بهذه البساطة في كثير من الأحيان، ففي عيادة طبيب الأمراض الجلدية كثيرا ما يعرض المريض/المريضة نفسه أو يعرضه ذووهُ بفقدٍ واضح في الشعر دون أن يذكرَ شيئا عن سلوك النتف، لأن المريض يميل إلى كتمان سره بينه وبين نفسه، خاصة إن كانت أنثى، وبالتالي يجد طبيب الأمراض الجلدية نفسه أمام عددٍ من التشخيصات الفارقية Differential Diagnosis لعل أهمها التفريق من الثعلبة "الصلع البُقَعِيِّ Alopecia Areata"، والذي قد يحتاج تفريقه من النتف الذاتي للشعر أخذ عينة من الجلد وفحصها مجهريا، وأما طبيب الأمراض النفسية ففضلا عن عدم اكتشافه لوجود الأعراض في حالات كثيرة من حالات نطاق الوسواس القهري وغيرها، لأن المريض لا يشتكي والطبيب لا يسأل، إذن فإن الوصول إلى أن أمامك حالة اضطراب نتف شعرٍ لا يعني إلا بداية لمحاولة التفريق بين أنواعه المختلفة، وكذلك تشخيص الاضطراب أو الاضطرابات النفسية المواكبة له، وسنحاول استجلاء بعض خبايا ذلك في هذا المقال.
* اضطراب نتف الشعر Trichollomania هو ببساطة إذن النتف المزمن المتكررُ للشعر لغير أغراض التجمل، وقد يكونُ إراديا (قهريا Compulsive أو اندفاعيا Impulsive ) أو تلقائيا Automatic، دون وعي أو تركيز مباشر على السلوك وقت حدوثه، وقد نجد في بعض المرضى خليطا من النوعين، أي أن المريض ينتف أحيانا بعد أن يأخذَ قرارا بالنتف (مقهورا أو مندفعا) وينتف أيضًا في أوقات الشرود والانشغال، مثل مشاهدة التلفاز أو القراءة أو التحدث في الهاتف أو الاستلقاء في السرير، أو حتى أثناء ركوب أو قيادة المركبات، أو نستطيع أن نقول أن لدينا نوعين من المرضى نوع إرادي يكونُ التركيز فيه مباشرا على سلوك النتف (سواء كان الدافع قهريا أو اندفاعيا) ونوع لا إرادي أو تلقائي، وهو الذي يكونُ فيه تركيز المريض موجها ناحية نشاط آخر أثناء النتف، وهناك خليط من النوعين نراه في بعض المرضى.
وأبدأ هنا بوضع الفرشة المبدئية لمعايير تشخيص اضطراب نتف الشعر والأفكار الواردة فيها هي نفس الأفكار الواردة في التصنيف الأمريكي الشائع (الرابع DSM-IV):
1- النتف المتكرر للشعر بشكل يؤدي إلى فقدان واضح للشعر من أماكن نزعه. (وأهمية هذا المعيار هو استبعاد حالات نتف الشعر العابرة التي لا تسببُ مشكلات معتبرة significant للشخص وهي حالات شائعة خاصة في بعض الأطفال)
2- شعور متعاظم بالاستثارة مباشرة قبل القيام بفعل النتف أو عند محاولة مقاومة ذلك الفعل.
3- الإحساس بالمتعة أو الرضا أو التخلص من الضغط النفسي أثناء النتف.
وهذان المعياران كما سنرى بعد قليل بحاجة إلى مراجعة لأن عددًا من الدراسات (Christenson,et al.,1991) و(Mackenzie & Mitchell,1991) و(Reeve, et al.,1992) أظهرت نتائجها أن استبعاد هذين المعيارين أو أحدهما من المعاير التشخيصية يزيد عدد المرضى الذين تنطبق عليهم كل معايير الاضطراب ربما خمسة أضعاف، ولعل في ذلك ما يساعدنا أكثر على الفهم بدلا من تضييق مساحة الدراسة لتضم فقط من يمثلون ربما شكلا أو نوعا واحدا من أنواع مرضى نتف الشعر، وهو النوع الإرادي (الاندفاعي والقهري).
4- ليس سلوك النتف جزءً من اضطراب نفسي أو مرضٍ باطني(جلدي) آخر.
5- يتسببُ الاضطراب لصاحبه/صاحبته في معاناة معتبرة أو خلل في العلاقات الأسرية أو الاجتماعية أو الأداء الوظيفي.
* ولنحاول تطبيق المعايير التشخيصية السابقة على النماذج التالية من مريضاتنا الإليكترونيات والحقيقيات ومن هن من ذا على ذا، متخذين من الأسئلة التي سألناها لصاحبة مشكلة نتف الشعر في غرفة الاستجواب على مشاكل وحلول للشباب، واتخذتها بعض مريضاتي كأسئلة أعددن الإجابة عليها قبل المقابلة معي نقاطا للمقارنة كما سيبين الجدول التالي، فأما المعايير 1 و4 و5 فليس عليها خلاف، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للمعيارين 2و3 .
أرجو منك أن تردي على الأسئلة التالية لكي أستطيع مساعدتك أكثر | بداية بالرد على أسئلة نتف الشعر في غرفة الاستجواب | |
1 | س1- بأي شيء تشعرين قبل نتف الشعر؟
| س 1- أي شيء تشعرين به قبل نتف الشعر ؟ |
2 | س2- بأي شيء تشعرين أثناء عملية النتف؟
| س 2 – بأي شيء تشعرين أثناء عملية النتف ؟!! |
3 | | س 3 – ما هي مشاعرك بالضبط بعد النتف؟!! |
4 | س4-هل تعتبرين نفسك موسوسة؟ أو دقيقة زيادة عن اللزوم أو تكثرين من تكرار بعض الأفعال؟ (ج) أنا لست موسوسة إطلاقا، وأعمالي أهتم بأن تنتج بطريقه تقبل فقط. | |
5 | س5- ماذا عن هواياتك؟ وعن علاقاتك الأسرية؟ وعن علاقاتك الاجتماعية؟ (ج) هواياتي القراءة والمشي والرياضة والتلفزيون والتغذية والثقافة الاجتماعية، وعلاقتي الأسرية منعزلة تقريبا أعيش في عالمي الخاص ولي مشاعري التي لا يشاركني بها أفراد أسرتي، ومع المجتمع من الأقارب والصديقات فلي شعبية جيدة وصداقات كثيرة. | |
6 | س6 - ماذا عن مستواك الدراسي؟ | س 6 – ماذا عن مستواك الدراسي: |
7 | س7- هل يعرف أحد من صديقاتك أو قريباتك أو أعضاء أسرتك مشكلتك مع شعرك؟ (ج) الكل يعلم أني أقطع شعري، طالبات الفصل ومدرستان وصديقاتي وأفراد أسرتي جميعهم. | |
8 | س8- ماذا تفعلين بالشعر بعد نزعه؟ هل مجرد الرمي أم تلعبين به بين أصابعك أو شفتيك أو تأكلينه؟ | س 8 – ماذا تفعلين بالشعر بعد نزعه ؟!!! (ج) أقطعه بأسناني ثم ألفظه.. |
9 | س9- هل تنزعين من شعر الرأس فقط؟ أم من أماكن أخرى أيضًا؟ | |
10 | س10- عندما توقفت عن نزع الشعر لفترة كما قلت كيف كان ذلك؟ وماذا ساعدك عليه؟ (ج)- لا أتذكر كيف أو ما الدافع، لكني أذكر أن غرفتي كانت مليئة بالشعر المقطوع. | س 10– عندما توقفت عن نزع الشعر لفترة كيف كان ذلك وماذا ساعدك عليه؟ (ج) سأتكلم عن المحاولات التي تمت من أجل إيقافه. محاولات متفرقة عام 1998 ورآني أ.د.......... عام 1999، أ.د.................. ( جلدية) عام 1999 أ.د.......... جلدية بال......... ، 2002 .أ.د.............. "جلدية"، وعام 2002 أ.د. ..............." نفسية ............ تخللت بعض المرات الشيوخ لاعتقاد أهلي أنه قد يكون ناجم عن السحر والعين . ............ مرة واحدة حاولت مع نفسي أنني أقومها وذلك بكتابة عدم شد الشعر وتقطيعه ضمن وورد المحاسبة اليومي مكافأة نفسي علي ذلك... في حالة نجاحي.. ومحاولة ربط رأسي دائما حتى لا ألجأ إلى شد الشعر.... |
11 | | س 11– هل هناك نوع من الضغوط في حياتك الآن تسبب توترك؟ |
12 | س12- من تكونين أو كيف تصفين نفسك؟ أو صفي لنا شخصيتك قدر استطاعتك وآراء الآخرين فيك؟ | |
13 | | بداية المشكلة: من حوالي سبع سنوات بدأت بتساقط شعر غير عادي لمجرد وضع يدي، المشط فيه وكنت بالثانوية العامة.. لم آخذ الموضوع على محمل الجد لأن أختي الكبرى عانت منه ولكن بعد انتهاء الثانوية وباستمرار الحال بدأت أفكر فيه خصوصا عندما أصبح غير تلقائي وإنما أجذبه أنا |
* ونتوقف أولاً عند ما تصفه صاحبة مشكلة نتف الشعر في غرفة الاستجواب بالرغبة الملحة لنوضح معنى معينًا نخاف أن يفهمه المتصفح بسطحية، لأن الرغبة الملحة بنتف شعرة عند مريضة باضطراب نتف الشعر من هذا النوع هي إحساس أكبر وأشمل وأعمق من كل ما قد يوحي به هذا التعبير للآخرين، فهذه الرغبة التي تسبق الفعل الاندفاعي عند مرضى نتف الشعر تختلف عن الرغبات الملحة عند معظم البشر بل عن الرغبات الملحة الأخرى عند المريضة ذاتها مثلاً تختلف عن رغبتها الملحة أحيانًا في أن تأكل الشيكولاتة، والاختلاف هنا يكمن في اتصاف هذه الرغبة بالقدرة على تشكيل السلوك،
فالرغبة الملحة التي تسبق الاندفاعية عند مرضى اضطرابات العادات والنزوات بوجه عام دائمًا ما تمتلك خاصية القدرة على أسر طاقة الفرد كلها لتنفيذ الفعل الاندفاعي، وعلينا أن نلاحظ أن السائلة لم تصف لنا أفكارًا تسبب لها الضيق مثلاً قبل نتف الشعر، وإنما وصفت شعورًا واضحًا بالرغبة في قطع شعرة ثم وصفت الرغبة الملحة التي أشرنا إليها، ثم أضافت تشبيهها للشعرة بأنها تنتظر النتف، وكأن الشعرة تحتاج إليه أو تفرح به! ويلاحظ في إجابتها أيضًا أنها تشعر بشيء من المتعة أثناء عملية النتف، وهي لم تعبر بوضوح عن نوعية هذه المتعة من ناحية كونها متعة جسدية أو نفسية، فإذا قارنا ذلك بإجابات مريضتي الحقيقية سنجدُ أمرا مختلفا، فحالتها ليست نتفا اندفاعيا وإنما قهريا في الأغلب لأنها تشعر بأن مهمة يجبُ أن تنجزَ وهي في ذلك تذكرنا بمشاعر كثيرين من الموسوسين بأفعال الاكتمال القهرية وكذلك مرضى اضطراب العرات Tic Disorders، وهو أيضًا أحد اضطرابات نطاق الوسواس القهري كما بينا من قبل في إجابة الاستمناء والوسواس والعرات والشُّقَيْقة!، وفي سلسلة من الوسواس إلى الرهاب إلى العرات: ربما ؟، فهي تشعرُ بعدم اكتمال ما يجبُ أن يكتمل، وتجد نفسها مضطرةً لإكماله بأن تنتف شعرها، إلا أن في بقية إجاباتها ما يشي بوجود نتف تلقائي أيضًا في بعض الأوقات.
* ونحن هنا أمام شكلين من أشكال اضطراب نتف الشعر فأما صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب فلا تأخذ شكل الدورة الشعورية المشهورة لاضطراب الوسواس القهري، إلا أننا نجد فيما يقارب نصف مرضى اضطراب نتف الشعر أفكارًا تسلطية تسبق النتف وتسبب تراكمًا للضيق والتوتر إلى الحد الذي يدفع المريض إلى الفعل القهري المتمثل في نتف الشعر، رغم عدم رغبته في تكرار النتف، لكنه يضطر إليه للخلاص من التوتر والضيق، وهذا الشكل تمثله مريضتي الحقيقية التي اختارت أن تجيب على نفس الأسئلة إلى حد ما.
وفي هذه النوعية الأخيرة من المرضى غالبًا ما نجد في التواريخ المرضية أو العائلية بعض أعراض اضطراب الوسواس القهري، ونستطيع تسمية اضطرابهم بنتف الشعر الوسواسي، لكننا نجد في بقية المرضى مجرد الرغبة في النتف، والتي يعبرون عنها بصور شتى، فبعضهم كما فعلت صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب يقول بوضوح بأنه يحس برغبة ملحة وبعضهم يركز فقط على خاصية معينة للشعرة التي ينتفها، وبعضهم يقول بأنه لا يملك تفسيرًا لما يحمله على النتف أو أنه ينتف دون وعي منه أو بصورة تلقائية وبعضهم لا يجد ما يقوله، ونستطيع تسمية اضطراب نتف الشعر عند هؤلاء بنتف الشعر الاندفاعي، واضطراب الأخت السائلة يقع ضمن أو أقرب إلى هذه الفئة الأخيرة.
وكما يبين الشكل التالي فإن هذين النوعين من اضطراب نتف الشعر يمثلان طرفي متصل يتوزع عليه المرضى، فمعظم الحالات لا يمكن وضعها في هذا الطرف أو ذاك، وإنما هناك من يكونون أقرب إلى الاندفاعية وهناك من يكونون أقرب إلى الوسواسية أو القهرية، وهناك من نجدهم في منتصف المتصل كما تشير الأسهم الصغيرة في الشكل.،
وأما ما تحس به صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب بعد النتف فهو حسب وصفها شعور بالراحة! لأنها قطعت الشعرة المتموجة ثم تضيف بعد ذلك "مع أني أفضل الشعر المتموج على الأملس"! وهي بذلك تضعنا في حيرة كبيرة فهي لا تملك تفسيرًا منطقيا لما تفعل! فمن المنطقي فيمن تفضل الشعر المتموج على الأملس أن تترك ذلك المتموج في حاله على الأقل!، ويلاحظ أنها لم تقل بأنها تشعر بالخلاص من الضيق أو التوتر، لأن نتف الشعر هنا لم يكن مسبوقًا لا بالضيق ولا بالتوتر، وإنما فقط بالرغبة الملحة التي أشرنا إليها من قبل، كما أنها أيضًا لم تشر إلى الشعور بالأسف أو الندم على استسلامها للرغبة في نتف الشعر مثلما نجد في كثيرين من المرضى، وكل هذا يتماشى مع إجابتها بعد ذلك التي أشارت فيها إلى أنها غير موسوسة على الإطلاق، فسمات شخصيتها أقرب إلى الاندفاعية أو اللامبالاة على الأقل فيما يتعلق بموضوع نتف الشعر حتى أننا لا نستطيع أن نتلمس في إجاباتها مشاعر الندم المعتادة في مرضى اضطرابات العادات والنزوات Habit and Impulse Disorders أو اضطرابات التحكم في الاندفاعية Impulse Control Disorders حسب التسمية الأمريكية (والتي تشمل نتف الشعر والسرقة المرضية وإشعال الحرائق المرضية وإدمان الكومبيوتر والإنترنت وإدمان الألعاب الإلكترونية وقضم الأظافر ونقر الجلد وهوس الشراء وغير ذلك) تتسم بسمات ثلاث هي:
1- الفشل في مقاومة اندفاعة أو نازع أو هوى للقيام بفعل ما ضار للشخص نفسه أو للآخرين.
2- شعور متعاظم بالاستثارة قبل القيام بذلك الفعل.
3- الإحساس بالمتعة أو الرضا أو التخلص من الضغط النفسي أثناء القيام بذلك الفعل.
إلا أننا نجدُ الأمر مختلفا عند المقارنة بإجابات المريضة الحقيقية والتي تبدو إجاباتها وملامح شخصيتها أقرب إلى الشخصيةٌ القسرية Anankastic Personality أو القهرية Compulsive Personality، فهي شخصية منضبطة إلى حد كبير وصاحبة ضمير حي يقظ تصف نفسها بأنها لديها حس كبير بالمسئولية، ويتفق معها الآخرون في ذلك، كما أنها تدرك جيدا أن مركز التحكم في حياتها هو ما تحدده أفعالها أي أنه داخلي فهي مثلا متفوقة لأنها مجتهدة وهوايتها القراءة بما في ذلك قراءة مواد دراستها، وهذا مختلف تماما عن رأي صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب والتي تصف مستواها الدراسي الممتاز بأنه ضربة حظ، بينما أميل إلى إرجاعه لذكائها واتقاد ملكاتها وقدرتها على التذكر والفهم السريع من مجرد الشرح الذي تقوم به المعلمة في الفصل، وأما اتهامها لنفسها بأنها مهملة، لأنها لا تستغل طاقاتها كلها في الدراسة فأنا أتفق معه فيه، إلا أن ذلك يوحي بأنها ترجع الأحداث في حياتها نجاحًا أو فشلاً إلى قوى خارجية وليس إلى قدراتها أو أفعالها الذاتية أو أنها بلغة علم النفس تعتقد أن مركز التحكم في حياتها خارج عنها.
وعندما نصل إلى مقارنة العلاقات، نجد مريضتنا الحقيقية طيبة العلاقات بوجه عام داخل وخارج الأسرة وتصف علاقتها بأفراد أسرتها بأنها قوية رغم ابتعادها لسنين بسبب الدراسة، وأما صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب فنجد علاقاتها الأسرية تتسم بالكثير من البعد والفتور رغم إقامتها الدائمة مع أهلها، فهي تصف لنا انعزالها الذي يكاد يرتبط فقط بالأسرة، في تناقض واضح مع علاقاتها الاجتماعية الناجحة والمتعددة التي جعلت لها شعبية كبيرة،وبينما نجد معظم مرضى نتف الشعر الوسواسي يخفون اضطرابهم عن الآخرين ما استطاعوا لذلك سبيلاً، فإن صاحبة نتف الشعر في غرفة الاستجواب على العكس من ذلك لا تخفي الأمر ولا تعتبره سرًّا، لأنها من النوع الاندفاعي، بل هي تقول لنا بأن هوايتها تزيين الشعر.
ثم تكلمنا عن نمص الشعر من الوجه (أو نتف الشعر من أماكن أخرى) بعد ذلك، على أنه ليس مشكلة فهو للتنظيف فقط، فهي تقول:"فأي مكان به شعر يصلح للنزع أقطعه، لكن مجرد للتنظيف فليست مشكلة"، وهنا أحس بأنها تخفي الكثير خاصة أن معظم شعر الجسد الداخلي يكون من النوع المتموج الذي يستثير فيه الرغبة للنتف، وبأن هناك مشاكل لا تود التصريح بها، في حين تبدو مريضتي الحقيقية وكأنما تتحاشى الكلام في الموضوع وتحسب أن الآخرين الذين يعرفون إنما يصمتون فقط تجنبا لإحراجها، لكنها تخفي الأمر كسرٍّ ما استطاعت لذلك سبيلا، بينما هي مع طبيبها في منتهى الصدق والوضوح، فهي تنظف الشعر من أماكن الجسد الأخرى كي لا تنزلق إلى النتف منها.
كما يبينُ لنا إقرارها بأنها تحبُّ أن تلمس طبقة البويصلة البيضاء وأن تلمس الشعرة، ثم تقول "وأرمي الشعرة بعدها لأقطع شعرة أخرى" يبين لنا ذلك نوعية الطقوس التي تفعلها بعد النتف والتي تحوي شيئًا من المتعة لها، وهذه الطقوس (التي تشبه الطقوس القهرية) تذكرنا رغم تصنيفنا للحالة كحالة نتف شعر اندفاعي، بأننا نتحرك في إطار نطاق الوسواس القهري وإن كنا أقرب إلى طرفه الاندفاعي، بينما أقرت مريضتي الحقيقية بأنها تقطع الشعر بأسنانها ثم تلفظه، وهذه السلوكيات الفموية oral behaviours متنوعة جدا في مرضى نتف الشعر، فمنهم من يلعق الشعر ومنهم من يمرره بين الشفتين ومنهم من يلوكه قليلا بالأسنان ومنهم من يأكله كما بينا ما يمكن أن ينتج عن ذلك من مشكلات تصل إلى حد الانسداد المعوي intestinal obstruction في مقالنا السابق اضطراب نتف الشعر Trichollomania مقدمة.
وأترك للقراء من أصدقاء مجانين التفكير في مدى مطابقة معايير التشخيص الأمريكية الواردة أعلاه لما نسخناه من ألسنة المريضتين، وأضيف أن هناك نماذج أخرى كثيرة سنقدمها تباعا مع ذكر الاضطرابات النفسية المواكبة لاضطراب نتف الشعر، لكنني أختتم هنا بأطرف ما لديَّ في هذا الموضوع وهو ما قدمته لي واحدةٌ من أكفأ مريضات نتف الشعر لدي وهي تبتكر طريقة لتفهمني بها مشاعرها قبل وأثناء وبعد النتف:
مثال توضيحي: قد تسألني قائلا ما هو ؟!! شعورك قبل أو بعد أو أثناء نتف الشعر ؟!!
قد تكون الإجابة علي هذا السؤال صعبة ومعقدة لكني سأجيب علي هذا السؤال بسؤال آخر لكي تعيش معي صعوبة الإجابة علي هذا السؤال،
إني أسألك قائلة: إذا جلست في غرفة مليئة بالناموس ما الذي تشعر به علي جلدك؟!!
مؤكد تشعر برغبة ملحة تدفعك للهرش علي جلدك هنا السؤال الصعب: ما الذي تشعر به قبل الهرش وأثناء الهرش وبعد الهرش ؟!!
ماذا تقول؟ الإجابة صعبة لكن بعد تفكير تقول :
٠ شعورك قبل الهرش -------------- حاجة ملحة للهرش
٠ أثناء الهرش ------------------- تشعر بارتياح لحظي للاستجابة لهذه الحاجة
٠ بعد الهرش -------------------- يدفعك هذا الارتياح اللحظي الذي يخفف من حدة الرغبة الملحة للهرش إلي تكرار الهرش مرة أخري وأخري وبشدة أكثر مع درايتك الأكيدة أنك لو استمريت في الهرش بشدة علي جلدك سيؤدي ذلك إلي أن ينزف الجلد ومع درايتك بهذا إلا أنك مصر علي الهرش، ماذا تفعل في هذه الحلة ؟ قد تفكر في وضع كلامينا علي جلدك لتقوم بتلطيفه وبالتالي لا تهرش لكن طالما أصبحت موجودا في الغرفة المليئة بالناموس طالما راودتك الحاجة الملحة التي تدفعك للهرش، ما هو الحل ؟!!
قد تكون الكالامينا هي الحل ولكنه الحل المؤقت طالما أن هناك ناموس إذن الحل الصحيح هو القضاء علي الناموس المسبب للهرش وإذا طبقنا هذا المثل علي نتف الشعر نجد أن الغرفة المليئة بالناموس هي البيئة التي أعيش فيها وما بها من مسببات للتوتر والقلق المسببات هنا هي الناموس والكالامينا هي الحناء أو الزيت.... حل مؤقت نزف الجلد يقابله الصلع، الرغبة في الهرش يقابلها هنا الرغبة في شد الشعر.
أشكرها على هذا الوصف الدرامي الرائع الذي أهدته لمجانين، كما أشكرها أيضًا على البرنامج العلاجي السلوكي الذي ترجمته وأهدته لمجانين وسننشره على أربعة مراحل كل مرحلة تمثل أسبوعا، وهذه دعوة مفتوحة لأصدقائنا للمشاركة في الموضوع.
المراجع العلمية:
1.American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, ed. 4.Washington, DC: American Psychiatric Press; 1994.
2.Christenson GA, Pyle RL, Mitchell JE.(1991): Estimated lifetime prevalence of trichotillomania in college students. J Clin Psychiatry. 1991;52:415-417.
3.Mackenzie TB, Mitchell JE. (1991): Characteristics of 60 adult chronic hair pullers. Am J Psychiatry. 1991;148:365-370.
4.Reeve EA, Bernstein GA, Christenson GA.(1992) Clinical characteristics and psychiatric comorbidity in children with trichotillomania. J Am Acad Child Adolesc Psychiatry. 1992;31:1,132-137.
ويتبع >>>>>>: اضطراب نتف الشعر: العلاج مقدمة
واقرأ أيضاً:
نتف الشعر غير الوسواسي ! / طيف الوسواس OCDSD نتف الشعر Trichotillomania