هناك عدة طرق تؤدي فيها طريقة الأهل إلى كذب الأبناء، إحداها هي أن يقول الآباء أنفسهم (أكاذيب بيضاء صغيرة)..
أخبرتني فتاة في الحادية عشر من عمرها يومًا أن بينما كانت العائلة تتناول العشاء ووالدتها تنصحها (كالعادة) عن مساوئ الكذب دق جرس الهاتف وردت والدتها على المتكلم الذي كان يسأل عن والدها وقالت أنه ليس موجودًا، وسألتني الفتاة: "ألم تكن تلك كذبة؟ ماذا ترى أنت؟".
بالتأكيد هذا كذب، ذلك النوع من المعايير المزدوجة، أن يطالب الأهل الأولاد بالصدق ويبرروا في الوقت نفسه أكاذيبهم من الممكن أن يكون محيرًا للطفل، بل ويؤدي عن حق إلى فقدان الطفل إيمانه وثقته بوالديه، حتى لو كان غرض الأم في المثال السابق أن تسمح لزوجها بالاستمتاع بالعشاء في هدوء دون مقاطعة فإنها لا تزال كذبة.
ربما كان من الأفضل أن تخبر المتكلم أن زوجها غير متاح ومشغول حاليًا، ولكنه سيعيد مكالمتك بعد قليل، وبهذه الطريقة تكون قد أخبرت الحقيقة وأعطت الاهتمام والمراعاة التي أرادتها لزوجها ولا تكون قد وقعت في فخ المعايير المزدوجة وتكون قد وقعت فعلاً في الكذب.
طريقة أخرى يفعلها الآباء تؤدي إلى كذب الطفل وهي الإجبار على مواجهة قاسية وحازمة تتعلق بالحقيقة والتي ستؤدي عند الاعتراف بها إلى عقاب شديد. وأتذكر عندما أحضرت لي أم ابنها ذو الستة عشر عامًا باعتباره "مدمن كذب" وذلك عندما فتحت باب حجرته فجأة فوجدت سحابة من دخان السجائر فانفعلت وثارت وصرخت "هل تدخن؟" فقال خائفًا "لا" ونتيجة لتلك المواجهة طلبت الاستشارة في إدمان ابنها للكذب.
وسألت والده بنفسي إن كان قد مر بتجربة التدخين عندما كان مراهقًا فأجاب بالإيجاب، فسألته إن كان قد صارح والديه بهذا فأجاب بالنفي.. فسألته إن كان ذلك لا يعتبر كذبًا فأجاب أنه لا يعتبره كذلك. من الواضح أن ذلك الابن كان خائفًا من غضب والديه ودافع عن نفسه بالكذب.
اقترحت على الأم أنه كان باستطاعتها تجنب كذب الابن بأن تبادره قائلة "أنا أرى أنك تدخن، وأريدك أن تعرف بأنني لا أوافق على ذلك مطلقًا.. صحتك، حرام، فلوسك، مخالفة لدينك". بهذه الطريقة فإنها توصل للابن رسالة صريحة دون أن تضطره إلى الدفاع عن نفسه بالكذب.
وهناك نوع آخر من الكذب، وهو الكذب المزمن، وهو مثل مرض السرقة يعكس اضطرابات نفسية عميقة، وهو عادةً ينشأ في صغار لم يتكون لديهم ضمير قوي أو إحساس عميق بالخطأ والصواب أو الحلال والحرام. ويكون الكذب والسرقة لديهم شيء بسيط لا يصاحبه أي خجل أو إحساس بالذنب وذلك لأنهم أصلاً لا يعتبرون فيما يفعلون أي نوع من الخطأ، فهم يرونه ليل نهار في البيت وفي المدرسة، ولم يعلمهم أحد بأن الله سميع بصير بأفعالهم وكذبهم وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وتصبح تلك المشكلة أكثر صعوبة كلما تقدم سن الطفل أكثر من خمسة سنوات ولم ينم مبادئ قوية عن طريق علاقة قوية ومحبة مع على الأقل أحد الوالدين.
قد يكذب الأطفال رغم معرفتهم بخطأ ذلك كوسيلة للانتقام من السلطة ممثلة في الوالدين وذلك لغضبهم منهم. وبالنسبة لعقوبة الكذب أو السرقة أنا أعتقد أن الآباء يجب أن يتجنبوا القسوة في العقاب. الصور الخفيفة للعقاب تساعد الطفل أن يكون ضميرًا تجاه السلوك الخاطئ، ومهما كانت وسيلة العقاب التي يقررها الآباء يجب أن يكون واضحًا تمامًا أن الكذب سلوك غير مقبول (أساليب الثواب والعقاب- الطفل العنيد). ولا ننسى أنه لا يجب السخرية من الطفل والتقليل من قدره ومناداته بالكذاب، وتجنب استخدام العنف كرد فعل لكذبه والبحث عن سبب هذا الكذب.
لابد أن يشارك الطفل في أنشطة متعددة تستغرق وقته وتعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.
الاستجابة السريعة لنداء وشكوى الطفل دون إهمال الحوار والاستماع والفهم.
وقد يكذب الأطفال للهروب من مسئولية أو مشكلة تسببوا فيها وقد تعلموا أن الأم كثيرًا ما تفعل ذلك ولم يتعلموا منها الصراحة والمواجهة بل الهروب والكذب، وقد يكذب الأطفال كمحاولة فاشلة لجذب الاهتمام والحصول على مكاسب حتى لو كانت معنوية.
طرق مبتكرة لعلاج الكذب
1. اشرح: عندما يبدأ طفلك في الكذب أمام الناس اشرح له أنه لابد من الإقلاع عن ذلك تمامًا في الأماكن العامة والخاصة أمام الناس أو في المنزل بدون زجر أو تأنيب أو عقاب في المرات الأولى، يجب التعامل مع ذلك السلوك بواقعية.
2. اقترح بدائل: يجب أن تعطي للطفل طرق أخرى للتنفيس عن غضبه، يجب محاولة إلهاء الطفل باقتراح نشاط آخر.
3. كن مثابرًا: ربما يقوم طفلك بالكذب مثلاً في الحضانة، يجب توضيح ما سبق للمشرفين على رعايته والاتفاق على سلوك واحد في التعامل.
4. باستعمال طريقة النجوم: (المشروحة بالتفصيل في برنامج الطفل العنيد). عمل قوائم بكل ما يحب الطفل.
5. تثمين ما يحب الطفل بالنجوم.. مثلاً رحلة إلى المنتزه = 20 نجمة، الذهاب إلى حديقة الحيوان = 12 نجمة، شراء لعبة جديدة غالية = 30 نجمة، شراء لعبة جديدة رخيصة = 20 أو 15 أو 10 أو 5 نجوم، كيس شيبسي = 3 نجوم، قطعة حلوى = 6 أو 5 أو 4 أو 3 نجوم على حسب قيمتها وثمنها، الذهاب للجدة أو العم أو الخال = 6 نجوم و..... و
6. يجب تثمين ما يحبه الطفل على حسب أهمية الشيء بالنسبة له وليس بالنسبة لنا أو على حسب قيمته أو ثمنه.
7. عمل قوائم عبارة عن أوراق معلقة على الثلاجة أو الحوض أو باب الغرفة أو جانب السرير مكتوب على كل منها ما يحب وعدد النجوم المطلوب تحصيلها.
8. لا يجب أن يُعطى الطفل أيا من الأشياء التي تم تثمينها والتي يحبها إلا بالمقابل وهو الحصول على عدد النجوم المطلوبة.
9. عند عمل شيء سار أو حسن أو مقبول أو مطلوب يوضع للطفل نجمة في القائمة التي يريد الحصول عليها.
10. عند قيام الطفل بعمل غير سار وغير مقبول يتم حذف نجمة أو نجمتين على حسب المخالفة التي ارتكبها ومن هذه المخالفات موضوعنا الذي نحن بصدده وهو إظهار نوبات الغضب في الأماكن العامة أو الخاصة أو في المنزل.
11. لا يجب التنازل مطلقًا والتسامح في وضع النجوم أو حذفها أو إعطاء شيء من الأشياء التي تم تثمينها (معلهش المرة دي، المرة الجاية اسمع الكلام، علشان خاطري يروح النهاردة).
12. من المؤكد أن الطفل في الأيام والأسابيع الأولى سوف يتجاهل تمامًا هذا النظام (إيه الهبالة دي، أنا مش هعمل كده أبدًا، ده كلام فارغ) ولكن الإصرار وعدم حصول الطفل على ما يريد مطلقًا سوف يقنعه أن الموضوع جد جدًا ويهم الوالدين تنفيذ التعليمات وإلا تخيل طفل لا يخرج ولا يلعب بلعبه أو يحصل على لعبة جديدة أو يزور جدته أو أعمامه أو لا يأكل حلوى لابد إن آجلاً أو عاجلاً إلا ويتبع النظام للحصول على ما يريد.
طرق بسيطة للعقاب السلبي:
0 عندما يقوم طفلك بالكذب أمامك أو أمام المعارف أو في الحضانة، عليك توقيع عليه عقوبة الخصام لمدة ساعة وأثناء هذه الساعة لا تكلميه أو تنظري إليه أو تنفذي أي طلب طعام أو شراب أو عدم الرد على أي سؤال له على أن تخبريه قبل الخصام أن سبب الخصام هو فعل كذا...... أو كذا..... أو إطلاق الشتائم.... في المرة القادمة سوف يكون الخصام ساعتين والتي بعدها ثلاث ساعات وهكذا.....
0 إذا استمر طفلك في فعل ما لا يجب أن يفعله مثل كذا...... أو كذا..... أو الكذب يجب حبس الطفل في غرفة ليس بها أي لعب أو كمبيوتر أو أي شيء مسلي، يجب أن يجلس في الغرفة مع الطفل أحد الوالدين لحمايته من أي سوء ومنعه من أي تصرف خارج ويضاف إليها عقوبة الخصام، ولا يجب أن يعتبر الوالدان عقوبة الحبس هي عقوبة لهما بل هي للطفل ولكن لا يجب ترك الطفل وحده مطلقًا.
0 إذا استمر طفلك في فعل ما لا يجب أن يفعله مثل كذا...... أو كذا..... يجب حرمان الطفل من الخروج إلى المتنزهات أو زيارة الأقارب أو شراء لعب جديدة أو ملابس جديدة أو الذهاب في رحلة مع المدرسة مرة واحدة فقط، وإذا تكررت يتكرر نفس الحرمان بشرط أن يجلس مع الطفل في المنزل أحد الوالدين مضيفًا إلى هذه العقوبة عقوبتي الحبس والخصام السابقتين.
0 لا يجب أن يختلف الوالدان أبدًا على تنفيذ ما سبق وعدم المجادلة في ذلك أمام الطفل والاتفاق على الطريقة المثلى التي يجب اتباعها مع طفلهما وأن يعلما أن طرق العقاب البسيطة السابقة هي طرق للتهذيب وليس للتعذيب وأن يكون الهدف هو التفاهم مع الطفل وليس توجيه العنف أو الانتقام والتفنن في ذلك، مع التأكيد على ما سبق أن ذكرنا أن هذا الطفل لا يعلم تمامًا أي شيء عن الصواب والخطأ والحلال والحرام وما يجب وما لا يجب.
0 هناك طريقة بسيطة وسهلة إذا كان الكذب يحدث على فترات متقطعة يمكن إخباره بأن هناك كرسي العقاب أو سجادة العقاب، فعندما يقوم الطفل بممارسة هذا السلوك يجب توجيهه للجلوس على كرسي معين ومحدد أو سجادة معينة ومحددة ولا يقوم من الكرسي أبدًا أو يتحرك خارج السجادة مطلقًا إلا بعد مرور الوقت المحدد، ونبدأ بنصف ساعة وإذا تكرر الفعل يزيد الوقت تدريجيًا إلى ساعة ثم ساعتين ثم... وهكذا.
متى تطلب المساعدة؟
في أحوال نادرة يكون ذلك السلوك إشارة إلى مشاكل نفسية أخرى لدى الطفل، استشر الطبيب النفسي لو:
1. تعارض ذلك السلوك مع تفاعلاته الاجتماعية.
2. لو فشلت كل وسائلك لجعله يكف عن الكذب.
3. لو كان مقترنًا مع سلوكيات أخرى مثيرة للقلق عند الأطفال.
4. لو كان مستمرًا بلا توقف.
ويتبع >>>>>>: الطفـل العنيـد (1)
واقرأ أيضاً:
كيف نربي طفلاً منظمًا؟ (2) / الطفل العصبي / كيف تصنعين طفلاً يحمل هم دينه؟ / الكذب