في خطبة الجمعة اليوم تحدث الخطيب فيما أدركت من خطبته، -ربما ردا على هجوم ما لم أسمع به- عن فضل وأخلاق علماء المسلمين الأوائل فحكى أن الإمام الشافعي يرحمه الله وهو المعروف بتتشدده في وجوب القنوت في صلاة الصبح حتى أـنه أفتى بأن من صلى الصبح ولم يقنت فليعد صلاته، حكى أنه في ليلة ذهب يصلي في مسجد للمالكية أي تلاميذ الإمام مالك وهناك عرفوه فقدموه ليأمهم فإذا بالإمام الجليل يصلي بهم الصبح دون دعاء القنوت فتعجب المصلون خلفه ثم بعد الصلاة سألوه هل رجعت عن رأيك في وجوب القنوت في صلاة الصبح فقال لا وإنما نحن في حضرتكم!"...
قلت في نفسي (الله... هكذا يكون احترام العالم لرأي العالم الآخر)... ثم أخرجني من المعاني التي تداعت إلى ذهني أن وجدته ينصب الفاعل ويرفع المفعول ولا يجر المجرور سامحه الله عندما بدأ يعلق على الحكاية مبينا ضرورة احترام العلماء...
ثم بعد بيان فضائل أخلاق العلماء واحترام أهل كل مذهب لأهل وفكر المذهب الآخر بغض النظر عن شدة تمسكك بمذهبك، وجدته يواصل مشددا على ضرورة الأخذ عن إمام واحد أو الالتزام بمذهب فقهي واحد وأنه لا يجوز انتقاء الأيسر من كل مذهب، وأنا أعرف أن ذلك موجودا في الفقه –خوفا على المفرطين في الاستسهال أن يخرجوا عن المباح- لكني انتظرت منه أي إشارة إلى الرأي في حالة وجود وسوسة أي مريض بالوسواس القهري وهؤلاء يجب عليهم اختيار الأيسر من أي مذهب على الأقل مرحليا بحيث يمكنهم العلاج والخلاص من وطأة الوسواس القهري،....
فكرت أن من المفروض أن ينتبه الخطباء في المساجد إلى وجود موسوسين، ونظرت حولي وأنا جالس فقدرت عدد المصلين بما بين 200 إلى 250 ولا أدري كم خارج المسجد... أي أن بين مستمعي هذه الخطبة ثلاثة أو أربعة موسوسين على الأقل وسبعة على الأكثر، يا رب استرْ على عقول الموسوسين، هكذا دعوت.
ثم أفاقني من تأملاتي خاتمة الخطبة ووعده في الخطبة القادمة بأن يوضح للناس كل شيء عن الغسل والذي يرى أننا فرطنا فيه إلى حد كبير، وحقيقة لا أدري من أين أتى بهذا الرأي؟ ثم راح ليوضح أهمية الخطبة القادمة كيف أن السرة إن لم يدخلها الماء فقد بطل الغسل، وأن الخاتم الضيق الذي لا يسمح بمرور الماء تحته لابد من تحريكه وإلا بطل الغسل وكذلك حلق الزينة في الأذن إن لم تحركه المرأة ليصل الماء إلى بشرتها فقد بطل الغسل، ونفس الكلام ينطبق على الشعر فلابد من إيصال الماء إلى منابت الشعر وتعميمه على فروة الرأس!.... وذلك في الخطبة القادمة..... شعرت بأن الخطبة القادمة ستكون معملا لإنتاج موسوسين... ولدي مسؤولية تجاه الله عز وجل وتجاه المعرضين للوسواس القهري خاصة وأنني أقدر أعدادهم في مجتمعاتنا بأكثر مما يبدو حتى الآن من تقديرات معلنة.
في تلك اللحظات وبينا تقام الصلاة اتخذت القرار بأن يكون لي حديث معه بعد الصلاة،.... لم أرد تقديم نفسي (تواضعا والله أعلم).. وقلت له يا فصيلة الشيخ لي تعليق على كلامك من فضلك فقال تفضل قلت له بكم تقدر عدد من صلوا خلفك اليوم قال حوالي 200 مثلا قلت له 200 إلى 250 على ما أخمن وبالمدركين المسجد بعد امتلائه في الخارج... ثم أكملت: شددت على ضرورة الالتزام بمذهب واحد من المذاهب الأربعة فقال نعم، قلت له ولكن سمعك في هذا المسجد –والله أعلم- من ثلاثة إلى سبعة مرضى بالوسواس القهري ونسبته 1-3% من الناس، ولهؤلاء في الطب النفسي كما في الفقه المالكي أو فقه المستنكح عليهم اختيار الأيسر من أي مذهب على الأقل مرحليا بحيث يمكنهم العلاج والخلاص من وطأة الوسواس القهري..... فقال أشكرك نحن نتعلم من الأسئلة والتعليقات.
فأكملت -وأنا تأدبا- أتلافى النظر إلى وجهه لكنني شعرت أنه بدا فاهما ومشدودا من كلامي كأن لم يتوقعه رغم معرفته به!، تجاهلت ذلك وتابعت قلت: وعدت الناس في الخطبة القادمة أن تحدثهم عن الغسل فقال نعم، قلت إذن أرجوك علمهم جيدا أن المطلوب في الغسل هو غلبة الظن وأن هناك حدودا لاتباع الشك، هل تعرف المدى الذي يمكن أن تأخذهم إليه الأعراض المرضية التي يمكن أن تنتج عن ذلك ويظنها الموسوس واجبة 100% ...
إن واحدة على الأقل من سامعاتك من البنات يمكن أن تكون مريضة وسواس قهري أو تصبح مريضة وسواس قهري بسبب حكاية حلق الأذن أو القرط لأنها سمعتك منك أو من زوجها عنك؟ لقد رأيت أكثر من مرة من كانت تدمى أذناها من فرط تحريك حلقة القرط في ثقبيهما، ومن يطول غسلها إلى حدود تعيق حياتها وغير ذلك.... أفلا تريد أن تبرأ من ذنب هؤلاء؟ عليك بالتركيز على معنى غلبة الظن في أصول الفقه اشرحها جيدا حتى يفهمها الناس وكذلك حدثهم عن اليسير الذي يعفى عنه وعن الموسوس الذي يحظى برخصة تيسر حاله وتساعده على العلاج، شكرني فأعطيته بطاقة تعريفي ثم صليت ركعتين وجئت لأكتب للموسوسين... مجانين العقلاء وعقلاء المجانين.
وتذكرت كيف كان الجهاد الذي جاهدناه مع وزارة الأوقاف في عهد الرئيس محمد مرسي! محاولين الوصول إلى خطباء المساجد... وقد قصصت قصته من قبل في ندوة عن الوسواس القهري للوعاظ بالشرقية.... وأخيرا شكرني فأعطيته بطاقة تعريفي ثم صليت ركعتين وجئت لأكتب للموسوسين... مجانين العقلاء وعقلاء المجانين.
الزقازيق،
الجمعة 20 ذو القعدة 1436هـ الموافق 4-9-2015م
واقرأ أيضاً:
الاستشفاء بالقرآن في الطب النفسي المعاصر/ الدين والعلاج النفسي2/ اليقظة الراضية أو الوعي الآني Mindfulness/ بدل الاعتراض 2 إقحام الدين واسم مجانين
التعليق: لي ملاحظات على بعض العبارات:
1-(فحكى أن الإمام الشافعي يرحمه الله وهو المعروف بتتشدده في وجوب القنوت في صلاة الصبح حتى أـنه أفتى بأن من صلى الصبح ولم يقنت فليعد صلاته ): لا يقال عن سنية القنوت في صلاة الفجر تشدد، وإنما هو مذهب فقهي له دليله القوي، والقنوت عنده سنة من سنن الأبعاض، فسنن الصلاة عند الشافعي تنقسم إلى نوعين: سنن أبعاض يلزم بتركها سجدتي سهو كالقنوت في الفجر، والتشهد في القعود الأول، وسنن هيئات لا يجب بتركها شيء كدعاء الافتتاح، وقراءة سورة بعد الفاتحة، والتسبيحات في الركوع والسجود.... ، ومذهب الشافعي أن من ترك القنوت فعليه سجدتا سهو، ولا تبطل صلاته.