الثنائيات المتناقضة تشكل طريقة المعالجة السائدة، نفسيا واجتماعيا، وبالتالي على مرّ التاريخ...
مثلا، في تعاملنا مع الناس، إما نعظّم ونبالغ في المدح والاحترام، أو نجرد الآخر من أي قيمة متى اختلفنا معه.
- التدين وتفسير كل شيء بالنصوص الدينية، تلاه تعلمن وتفسير كل شيء بالملموس أو المنطق الإنساني الخالص (ثنائية الدين والعداء للدين)
- المحافظة تلاها تحرر لا يقل مقتا عنها... وهكذا..
فالحل يحتوي ضمنيا على نفور وكراهة مبطَنَة للمشكل وحيثياته، ولا يتّجه لإيجاد الحل "المناسب" بما تمليه المشكلة في حدّ ذاتها. إذ يمكن أن يكون جزء من الحل باقيا في الطرح المناقض.
واختلافنا مع شخص لا يعني انعدام أي فضيلة فيه! فالمنصف والعاقل من وضع عينا على العيب والعبث، ووضع أخرى على الحق والصواب حتى إن كانا في كيان واحد..
ومن هذا قضية التحرّش، إن لاحظْتُم، كانت نزعة تُحمّل كل تبعاته للنساء، فالنساء من عليهن التستر والاختفاء حتى، والمكوث في البيت، ولا النّطق بحضرة الرجال، فضلا عن المطالبة بحقهنّ، وهنّ مصدر العار وبؤرة الخطيئة...
ثم بعد الوعي بالظلم والمبالغة، خرجت لنا نزعة دافعها رد الصاع صاعين ولو بشكل غير واع، ورمي التبعات على الرجال، فهم الذين عليهم التخلق والرّقي، وضبط النفس، وترك المجال للعري والتهتّك مع بقائهم "مؤدبين" كما تَرَك النساء المجال للعربدة والذكورية والتسلط بانسحابهن السلبي ! وهم أصل كل ظلم للمرأة وازدراء هم تجسد الحيوانية البشرية...
وهي أيضا مغالطة السبب الوحيد (إما الرجال أو النساء) وسعيٌ وراء الحلول الطفولية التي تنتظر مخلّصا بطوليا يحمل كل شيء على عاتِقه، في حين يرمي الناس كل مسؤولياتهم (محافظين على امتيازاتهم) على ذلك البطل أو المجرم!
وهكذا تُعالج معظم القضايا. والقانون لا يعكس بالضرورة رؤية عميقة للمشكل، فقد يكون مجرد ردة فعل لرفع الظلم والانتصار لحق نراه مشروعا. لذلك تتغير القوانين حسب ما يطرأ عليها من خلل وتجاوزات ونقص.
لذلك صرتُ كـــــــافرا بالثنائيات والحلول الأحادية، لا أستسيغها أبدا، ولا تشفي غليلي، فهي مثالية إضافة إلى أنّها تجزيئية.
والدليل، أن أكثر من يعالج الموضوع يخضع فيه لثنائية "نظرة دينية مناصرة" و"نظرة علمانية معادية".. فيظنّ أن الدين هو مصدر التأييد الوحيد، وأن العلمانية هي مصدر الاعتراض الوحيد. مع أن الدين يملك في أساسياته ما ينبذ النزعة الذكورية والحلول المثالية المتمركزة حولها، كما تملك العلمانية في أساسياتها ما ينبذ النزعة الأنثوية ومثالياتها..
واقرأ أيضاً:
الموسيقى والتعاسة ! / تحليل لفلم Emily Rose 2005 عن المس / كذبتان في المسلسلات والأفلام الرومانسية / المرض النفسي: دور الإيمان والعلاج بالقرآن مشاركة