كانت مواعيد السفر من القاهرة تشير بوضوح إلى رحلة مرهقة لأنا سنطير من القاهرة على الخطوط الإماراتية في الواحدة و25 دقيقة من صباح الخميس 13 سبتمبر لنصل إلى مطار دبي في السابعة وعشر صباحا بعد الطيران مدة تناهز 4 ساعات ... لنبقى حوالي 3 ساعات في الاستراحة الانتقالية في مطار دبي ثم لنطير إلى هونج كونج في العاشرة وخمس دقائق صباحا ... ومدة الطيران حوالي 8 ساعات لنصل إلى مطار هونج كونج في العاشرة مساء الخميس.... كنت على علم بأني لن أنام نظرا لطول المسافة التي تحتاج 12 ساعة طيران إضافة إلى 3 ساعات استراحة انتقالية.... لكن رحلة كهذه تستحق، فهونج كونج مكان نادرا ما يسافر له الإنسان، والجميل في الرحلة كان وجود محمد المهدي ومعه ابنه المهندس عمر ود. لطفي الشربيني ود. كمال الفوال ود. أسامة الخولي وغيرهم كثير ... وكنت أحمل للمهدي وجبة دسمة (بالنسبة له) من الاستشارات، فقد اعتدت منذ سنوات أنه لا يجيب إلا على متن طائرة تصادف أن تأخذنا إلى جلسة علمية ما غالبا خارج مصر... أما ما يرسل على البريد الإليكتروني فإن المهدي منذ ما يزيد على عقد من الزمان لم يعد يجيب الاستشارات التي تصله عبر الإيميل... كانت هذه الرحلة إذن واحدة من التي يشاركني فيها أحد المستشارين هموم مجانين... وإن كان المهدي في السنوات الأخيرة قد أصبح لا يستطيع الإجابة على الاستشارات إلا إذا اصطدته في رحلات كهذه على متن الطائرة، وكأنما لابد ألقاه فارغا من همومه الأرضية لأحمله هم مجانين.
أمام المطار التقيت كثيرين من أحبائي الذين لا ألقاهم في غيرها، وكان مسؤولوا الشركة المنظمة منتظرين أمام صالة السفر ليعطوا كلا منا حقيبةَ يد يمكنه حملها معه إلى الطائرة قلت وحاسوبي الذي أحمله كحقيبة يد في الطائرة فقالوا ضعه داخل هذه وبالفعل كان ذلك مناسبا... لكنني قررت أن يكون ذلك أثناء رحلة العودة، ثم دخلت لعبور خط تفتيش الحقائب في صحبة صديق وطبيعي بعد بوابة التفتيش الأولى (حيث تخلع حزام الخصر والحذاء وكل ما على القميص وما في جيوبك وما في يبديك ليمر على الجهاز الإشعاعي الكاشف .... ثم فاتحا ذراعيك ومسلما جسدك لمن يتلمسه على عجل وفي خفة قدر الاستطاعة هذا إذا أضاء الضوء الأخضر وأنت تعبر البوابة ... وإن أضاءت بالأحمر فإن عليك العودة غالبا لتخلع أو تفرغ من جيوبك ما نسيت، لتعود حتى تضيئ أخضر أو يتلمسك المفتش حتى يكاد يفتش جواربك إلى أن يطمئن .... فتعبر... طبيعي أنك تجد نفسك غالبا في صحبة آخر من مجموعتك أو وحيدا ... ليكون اللقاء الجديد مع أحدهم في طابور تحميل الأمتعة ... وهناك وجدت طابوار طويلا أمام طيران الإمارتية المتجهة إلى هونج كونج... مرورا بدبي !
رغم أن موعد بداية تحميل الأمتعة لم يكن حان بعد بل ما تزال عشرون دقيقة فإن الطابور بدا طويلا بشكل مقلق فلم يكن أحد يستطيع التجول في المطار وقررت الغالبية الوقوف في الطابور الذي عبر أغلب الواقفين عن استغرابه... وبدأ البعض يتحدثون عن ميزة يمكنك الحصول عليها إذا قمت بالحجز أو تأكيده عبر موقع شركة الطيران وهي أنك تتطيع الوقوف في طابور رجال الأعمال وإن لم يكن قصيرا لكنه كالطوابير المعتادة وليس كطابورنا الذي رغم عدة تعرجات كردونية في أوله لا تستطيع رؤية آخره .... لماذا لم أؤكد الحجز عبر الإنترنت؟؟ لم أكن أعرف طبعا... لكن جميل أن تقف تتسامر مع الأصدقاء في فرص يسرقها الجميع من مجموعتنا من دوامات الانشغال وكان من هؤلاء د. عقل عطا، وهو من علامات الإسكندرية وأعلام مستشفى المعمورة في الطب النفسي، إنسان تشعر معه دائما أنك قريب منه.
أخيرا وصلت إلى أول الشطر الأخير من الطابور ورأيت المهدي هناك ومعه ابنه وقد وقفا في وسط الطابور... رفعت له الأوراق المطبوعة لاستشارات مجانين والأوراق التي سيجيب عليها كتابة في الطائرة، وكان واضحا لنا جميعا أمران الأولى أن الطائرة ستكون كبيرة جدا والثاني أنه لا مجال للتفكير في النوم فلن يكون المقعد المجاور لك شاغرا ... طلبت من المضيف الأرضي أن يكون مكاني في الطائرة عند واحدة من المخارج جهة الممر ليكون سهلا علي القيام والحركة داخل الطائرة ووعدني بأن يفعل ... تحركت بعدها مع د. لطفي الشربيني إلى منطقة عبور الجوازات وبعد طابور قصير دخلنا إلى حيث السوق الحرة التي يؤسفك في مطار القاهرة أن تلاحظ ندرة المشترين مقارنة بأي مكان في العالم والسبب يعرفه الجميع أن الأسعار أعلى من الأسعار في كل مكان ... ويعود ذلك في الحقيقة ليس فقط إلى جشع التجار وإنما أيضًا إلى ضخامة المقابل الذي يدفعونه لإدارة المطار شهريا كإيجار للمكان... لا الأجانب يشترون ولا المصريون ... وربما الأماكن الوحيدة التي يستخدمها المغادرون عادة هي المقاهي والتي رغم أسعارها المبالغ فيها جدا إلا أنها لا تعدم الرواد كبقية المحال، كان د. لطفي يبحث عن وسادة للرقبة ليستخدمها في الطائرة علها تسهل النوم وتريح الرقبة ... لكنه لم يشترِ لأن السعر كان غير طبيعي رغم رداءة الخامة... وكان يعرف سعر الأنواع الممتازة من تلك الوسادة لأنها اشترى واحدة من الخارج في رحلة سابقة وكان ينوي حملها معه في هذه الرحلة، لكنه نسيها وكان عليه إذا أراد شراء واحدة من المطار أن يدفع 3 أضعاف السعر مقابل ثلث جودة ما لديه ! لذا كان طبيعيا أن يعرض عن الشراء... وكان مضحكا في نفس الوقت أن تجد مكتوبا على بعض اللوحات الإعلانية عبارة : "اشتر عشان تسافر مش سافر عشان تشتري" ! وكأنها موجهة لمجموعة من المغفلين !
استأذنني د. لطفي ليجري اتصالا عائليا وجلست أنتظره على ركن فيه بعض الكراسي ... ولما تأخر... اتجهت إلى البوابة واخترت كرسيا جلست عليه وكان الليل قد انتصف فقلت أحدث مقالات مجانين ... ومر بي د. محمد المهدي فأخرجت له الاستشارات الخمس وأوراقا فارغة ليجيبفيها، ثم أكملت التحديث، وما إن انتهيت حتى بدأ الزملاء يتوافدون واحدا فآخر وانشغلت معهم حتى حان وقت التفتيش الثاني على بوابة الصعود للطائرة وهو عادة أسهل من سابقه لأنك على الأقل تكون تحررت من أمتعتك إلا حقيبة اليد... وفي حالتي أنا عادة ما تكون حقيبة الحاسوب الذي لابد أن تخرجه من حقيبته قبل المرور على الجهاز وأحيانا يطلب منك المفتش أن تقوم بتشغيله وعندما سألت مرة لماذا قال لي المفتش إن بعضهم يهرب أشياء داخل هيكل الحاسوب ... !
حين وصلت إلى مقعدي في الطائرة صدمني أن المضيف الذي أخذ الأمتعة وحرر لي بطاقة الصعود للطائرة لم يصدقني فرغم أن المقعد كان عند واحد من المخارج وهو ما يعني وجود بعض الاتساع أمامي إلا أنني كنت محشورا في المقعد الأوسط ... حمدت الله وقلت أنت على كل الأحوال لن تستطيع النوم... انتهزت فرصة الوقت وقمت بفتح الحاسوب وبدأت أجيب ما علي من استشارات.. وقطعتني المضيفة من تركيزي مرتين مرة لتقدم مشروبا ومرة قدمت وجبة خفيفة... قلبت في الشاشة على ظهر الكرسي أمامي ولم يستهوني شيء .... وأخيرا بعد 3 ساعات و40 دقيقة هبطنا في مطار دبي .... وفتشونا مرة أخرى لا أدري لماذا ثم دخلنا إلى منطقة البوابات الملأى بالمحلات ... وتجولنا قليلا في المطار ليس رغبة في الشراء وإنما متجهين إلى حيث البوابة التي سندخل منها إلى طائرة هونج كونج وبحثا عن كراسي من النوع الذي يشبه الأريكة فقد كان ممكنا أن يغفل الواحد ولو دقائق إلا أن هذا لم يحدث فرغم أني وجدت الكرسي قريبا من البوابة إلا أنه كان علي الانتظار حتى يقوم شاغله إلى طائرته ... وحين حدث ذلك لم يكن الوقت المتبقي يسمح لي بالنوم وإنما اكتفيت بمجرد الاستلقاء حوالي 10 دقائق ثم قمت للطائرة .. التي لاحظت أنها طائرة من دورين .... وكانت هذه أول مرة أركب فيها هذا النوع من الطائرات ... وخمنت أن الدور العلوي كان للدرجة الأولى ورجال الأعمال... وإن لم أستطع التأكد من ذلك.
المزعج والموجع في نفس الوقت كان أن الطائرة تأخرت عن موعد إقلاعها أكثر من 30 دقيقة وكان السبب الذيث أنبأنا به قائد الطائرة هو حالة مرضية ... وأغلب الظن أنهم كانوا ينتظرون أحد الأشخاص المهمين ... فلم يكن في كل الطائرة أو على الأقل في الطابق الأول الكبير أي حالات مرضية.... المهم أنا صبرنا حتى انطلقت أخيرا الطائرة ... وخلال هذا الجزء من الرحلة لم يكن بد من البحث عن شيء يسليني في الشاشة أمامي وقد كنت هذه المرة محظوظا بأن جاء المقعد عند مخرج وكنت كذلك على الممر ..... لكن لم أكن محظوظا كزميلي أ.د عمرو سالم الذي كان جالسا على يساري وبيننا الممر في مقاعد المنتصف وإلى جواره مقعدان شاغران مما سمح له بالنوم وللآخرين بأن يغبطوه !
جذبني عنوان فيلم أمريكي عن اختطاف النساء والاتجار بهن women trafficking في أمريكا اسمه على ما أتذكر Traffik... وتسليت به لساعتين وكان باقيا أكثر من 4 ساعات ... فأخذت أقلب في المتاح من الأفلام الأجنبية حتى جذبني فيلم آخر يحكي حكاية فتاة في الرابعة عشر من عمرها مع مريض بخطل عشق المراهقات .. وبين الفيلم عمق فهم كاتب السيناريو للأبعاد النفسية لشخصية البنت في الرشد المبكر وكذا لمريض هذا النوع من الخطل الذي يسميه البعض خطل عشق لوليتا (كاسم رمزي لفتاة في سن 14) ... توقف عرض الفيلم عدة مرات بسبب بعض التنبيهات المتكررة بضرورة ربط الأحزمة وجعل المقعد في وضع رأسي لوجود بعض المطبات الهوائية ... ثم أوقفته بنفسي لتناول وجبة ثانية، يبدو أني ضيعت فيها وقتا أطول من اللازم ... لأني بعدها لم أستطع إكمال الفيلم حتى نهايته وإن كانت العقدة الدرامية قد انحلت إلا أني كنت أود رؤيته حتى النهاية .... وصلت الطائرة متأخرة حوالي 50 دقيقة عن موعدها.... وبالتالي كانت الساعة الحادية عشرة إلا 10 دقائق... وفي مطار هونج كونج الفسيح عرفنا أنهم لا يضعون أي أختام على بطاقة السفر (الجواز) ... كما عرفنا كذلك أن هذا البلد المفتوح الذي لا مانع عنده من غسيل الأموال ولا يحتاج تأشيرة دخول ... هذا البلد لا يحسن استقبال المصريين فلابد من تأخيرهم للاستعلام ... في البداية ظننا الأمر متعلقا بنا كمصريين وهو ما أكده أكبر مسؤولي الشركة وهو يعدنا نفسيا لذلك لكن وقوفنا في منطقة الكشف على الجوازات أن المعاملة نفسها تلقاها الكويتيون والسعوديون .... ولا عزاء للدول التي لم تزل تتسابق في الحرب على الإرهاب ولم تدرك بعد كيف أنها تصم نفسها ومواطنيها بما ليس فيهم !
وبعد استلام الحقائب كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل في هونج كونج ووقفنا ننتظر اكتمال المجموعة ثم وصول المرشد السياحي "جاري" الذي كان متميزا بالفعل.... حكى لنا كثيرا ونحن في طريقنا إلى فندق ماريوت عن الأحوال الاقتصادية في هونج كونج وعن صبر الصين عليها فمن المعروف أن تلك الجزيرة ظلت تحت التاج البريطاني حتى أواخر القرن الماضي ثم آلت تبعيتها إلى الصين كما تم الاتفاق عليه قديما... ورغم تميز هونج كونج بما أنجزه فيها الإنجليز من إنشاءات إلا أن التمييز كان واضحا في تعاملهم مع سكان الجزيرة الأصليين مقارنة بالإنجليز...
وأخيرا وصلنا إلى ماريوت كورتيارد .... أغلبنا كان جائعا لكن لم يكن لا في طريقنا من المطار ولا حول الفندق أي محال للطعام وهو ما بدا مخالفا لادعاء "جاري" بأن هونج كونج مدينة لا تنام ... لكنني عندما سألت د. كمال الفوال قال لي كلامه صحيح هو يقصد المدينة القديمة نفسها وليس أطرافها البعيدة حيث يوجد هذا الفرع من فروع ماريوت .... استلمنا الغرف وبفضل الله كانت الحاجة للنوم أضعاف الحاجة للأكل فلم يطل الوقت... مجرد دخولي غرفتي صليت المغرب والعشاء ورحت في سبات عميق.
وفي الثامنة صباحا استيقظت نشيطا على غير ما كنت أتوقع حمدت الله توضأت وصليت قضاء الصبح وكنت حددت اتجاه القبلة بتطبيق على المحمول ونزلت إلى الإفطار وكم كنا سعداء بوجود أصناف كثيرة يمكننا تناولها فكثيرا في فنادق جنوب شرق آسيا ما تجد مشكلات في الإفطار خاصة في قلة المتاح من الجبنة وغيرها مع غياب أحيانا لكل ما نعتاده إفطارا في منطقتنا وكذا غياب أحيانا للإفطار على الطريقة الغربية .. يعني تأكل مثلما يأكلون أو فبيض مسلوق إن وجدت وفاكهة .... بينما يلاحظ وجود أنواع من الفاكهة والخضر ليس كلنا يطيب له طعمها وإن أنعم الله علينا بالأناناس غالبا، لكن بدا أن ماريوت كورتيارد هذا مختلف.... فمتاح أن تأكل على الطريقة الغربية ومتاح لك أكثر من نوع من الجبنة.
في العاشرة صباحا كان موعد اللقاء العلمي وكان المحاضر أ.د عادل الشعاعي والمحاضرة عن توليفة عقاري الفلوكستين والأولانزابين والذي تنتجه الشركة تحت اسم سيكولانز وله العديد من الاستخدامات الآن في الممارسة العملية للأطباء النفسانيين... كان اللقاء غنيا بالمعلومات التي قدمها المحاضر والمناقشات الثرية التي شارك الكل فيها بحماس....
التقينا بعدها بنصف ساعة في بهو الفندق وأخذنا بعض الصور أمامه والتي تبين ناطحات سحاب هونج خلفنا فمرة أنا وصديقي العزيز د. إيهاب رمضان ومرة أنا بين كل من زميلي د. أسامة الخولي ود. محمد سالم ليأخذنا "جاري" إلى فيكتوريا بيك في الترام الذي يصعد بك أعلى جبال هونج كونج وترى وعلى جانبيك الشجر الأخضر ترى زوايا الطريق الذي يسلكه بك الترام لأعلى تكاد تكون رأسية ..... فتشعر بالمهابة ...... وصولا إلى جبل عالٍ في غرب هونج كونج، على قمته برج رائع من حيث تصميمه المعماري يسمى برج فيكتوريا "Victoria Tower" وفيه العديد من المطاعم والمحلات التجارية ومتحف للشمع فيه نسخة شمعية لبعض المشاهير، بالإضافة إلى منصة مراقبة صورنا وصورنا وخلفنا تشاهد ناطحات سحاب هونج كونج والمحيط في الأفق الممتد.... كما لم تفتنا الصور مع نموذج أخضر للترام الأحمر الذي صعدنا فيه ! والصورتان في المنتصف هنا لمدخل محطة المترو المهيب، واحدة يظهر فيها عمر المهدي يبليه أبوه ثم أنا ثم د. عمرو سالم، والأخرى لمجموعة أكبر يظهر فيها د. عقل عطا وزوجه ود. أحمد عبد العزيز وأ.د حسن فراويز وزوجه، وأ.د حسام الصاوي ود. أسامة الخولي ود. محمد بسيوني وأخيرا د. كمال الفوال ومن خلفه عمر المهدي.
وكذلك أخذنا صورة أنا وعلى يميني يضحك لطفي الشربيني ويبحلق المهدي من خلف النظارة ... غالبا في ابنه عمر وكنا نظنه يصورنا خلفنا تحفة العمارة برج فيكتوريا لكنه صورنا وخلفيتنا خلفية محلات تدخل من الطابق الأول من البرج، وأما الصورة الثالثة مع د. عمرو سالم ود. كمال الفوال، ثم لطفي الشربيني ثم د. محمد بسيوني فصورة قررنا أن نأخذها قبل النزول بعد أن أكلنا آيس كريم الشيكولاته ...... وحقيقة لا أذكر أني نزلت بهذا الترام فقد كان مجرد تخيل الصعود بهذا الشكل في الترام مخيفا فما بالكم بالنزول ... أخمن والله أعلم أننا نزلنا ذلك الجبل بالحافلة ومعنا "جاري"... وربما يذكرني بعض الزملاء بما كان ونسيت .... بعدها اتجهت المجموعة إلى ميناء أبريدين Aberdeen Harbour وهو ميناء قديم ترسو فيه زوارق الصيد الصغيرة وأكشاك الصيادين البسيطة ويبين هذا المكان بحقٍ كيف يمتزج التاريخ بالتكنولوجيا الحديثة في هذه البلاد.... لم يكن يختلف هذا المكان ربما عن السوق العائم في تايلاند ... إلا أن خلفية ناطحات السحاب وألوان القوارب والسفن الصغيرة مختلف .... أخذنا كثيرا من الصور أيضًا لكن لم يكن ممكنا التصوير بخلفية تظهر ناطحات السحاب من البحر نظرا لتزاحم قوارب الصيادين التي يفترض أنهم مقيمون فيها، ونظرا لأن الشمس كانت في خلفية من يريد هذه الصورة، نهايته اكتفينا بالرؤية... وحمدنا الله الذي ما زال يسمح للإنسان برؤية جمال الطبيعة بعدما عاث فيها فسادا....
كان جاري مرشدنا السياحي نشيطا دائما مرحا واستمر خلال تواجده معنا يتصرف تصرف المرشد السياحي المخضرم المحترف ... كان فيه بعض من الوسوسة الخفيفة التي كان لها دور ولا شك في تمكنه من عمله وسعة ثقافته والتي كانت واضحة في حكاياته وفي إرشاداته.... ثم انطلقت المجموعة من ميناء أبريدين إلى أحد الأسواق التجارية اسمه مونج كونج Mongkong في وسط هونج كونج القديمة، ولم أكن أنوي الشراء فلم أكن أحب التجول للمشاهدة وقليلا ما انزلقت لمقارنة الأسعار .. وكان من رافقني أغلب تلك الرحلة وأغلب من وسوس لي بالتوقف لمقارنة الأسعار هو الصديق د. عمرو سالم ... واتفقنا بعد جولة سريعة في المول المتعدد الطوابق وبعدما أخذنا صورا تظهر سقف المول الذي جعلوه يشبه صورة للسماء فيها سحاب يتحرك، اتفقنا على أخذ جولة في الأسواق الشعبية المحيطة والتي أعطينا فكرة عن إمكانية الفصال في السعر فيها ... والحقيقة أن الطقس كان حارا في ذلك البلد لكننا حتى الآن كنا نتحرك داخل حاويات مكيفة الهواء، اللهم إلا حين تجولت هذه الجولة مع عمرو سالم خارج المول في شوارع المدينة واشتريت لعبة لابني جواد من الأسواق المحيطة بالمول.
وأخيرا كان التجمع للانتقال إلى حيث العشاء في واحد من أجمل وأفخم فنادق السيدة الكريمة هونج كونج هو فندق Cordis ..... وكم كنت سعيدا بإتاحة طعام البحر بكل أشكاله فهو حلال آمن وأعلى في قيمته الغذائية ويتميز بطعم مختلف عن ما عهدناه في أغلب البلاد العربية ... لا أدري لماذا لم يصورني أحدهم وأنا أحمل الصحن بعد الصحن محملا بالجمبري والاستاكوزا والقواقع الغريبة ولا آـكل شيئا غير ذلك ... يبدو أن الجميع أمام هذا النوع من نعم الله جوعى يفعلون مثلي ولا يكون أحد يفكر في التصوير...
لإخراج محتوى القواقع هناك آلة مخصصة رأيتها لأول مرة في مطعم أسباني في برشلونة نسيت اسمه، لم أجدها في اليوم الأول واستخدمت الشوكة بدلا عنها ... وفي نهاية العشاء .... لاحظت أن بعض الزملاء يحمل عليبات صغيرة من الآيس كريم ... فلم أجد ما يمنع أن أضيف إلى ما أكلت ولعل لذلك حكمة ... واكتشفت أن ذلك الآيس كريم هو الآخر مميز ... وهكذا كان رأي الجميع ... جميلا كان العشاء في ثاني ليلة من ليالي هونج كونج....
رجعنا إلى الفندق خلال ساعة وكان علينا التجمع في بهو الفندق في العاشرة صباحا لنبدأ فعاليات اليوم الثاني في هونج كونج..... لكن كان علي تحديث قسم مقالات مجانين الذي لم يحدث الخميس ولا الجمعة وكان على قبل النوم، تجهيز ما تم تحديثه يوم السبت 15 سبتمبر ولم تكن إلا قصيدة قديمة لطاووس هي تشخيص للرجل الثلجي .... وكان ضروريا كذلك بعد جولتي حول المول في طقس هونج كونج الذي يشبه طقس دبي لحوالي 10 دقائق كانت كافية لأغرق في العرق وبالتالي وجب الاغتسال أيضًا قبل النوم... ولم أحتج لأكثر من نصف ساعة ... ورزقني الله نومة منعشة.
ويتبع>>>>> : مجانين... هونج كونج !! تيفون !! .. دبي.... مجانين2
واقرأ أيضًا:
لقاء في الأردن / حديث لندن وقت العصر / ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن / مجانين ... استانبول ... بوخاريست استانبووووووول3
التعليق: أطالع بشغف كبير ما تكتبه لنا في كل مرة تذهب فيها في رحلة ما فتأخذنا من عالمنا الكئيب الضيق إلي عالمك الرحب الملئ بالألوان.من بودابست إلي بوخارست إلي إستانبول فهونج كونج. فتكون كشعاع النور الذي يضئ ظلام حياتنا الدامس.
وفي وسط حياتك المليئة بالأحداث.أتعجب كيف أنك لم تنسي مجانين ومجانينه لحظة واحدة.فها أنت تذكره في الطائرة وفي طابور المطار وقبل نومك بعد يوم حافل.أحقا تؤمن بهذا الكيان لهذه الدرجة؟.
أتساءل هل حقا تشعر بما نعاني؟.هل حقا يشعر من يعيش الحياة بكل تفاصيلها بمن أجبرته ظروفه وآلامه بأن يراها من علي مقعد مشاهد كما عنونت إحدي الإستشارات.
لا أدري ولكن علي أي حال أشكرك لمشاركتنا هذه اللحظات.وأتمني لك دوام السعادة وأدامك الله سالما لمجانين.