يزداد كُرهي واحتقاري للرجل الشرقي بخصوص قضية التجاوزات الجنسية في علاقاتهم مع البنات.
بعد سماعي وقراءتي للعديد من المشاكل، يتعرف الشاب على البنت أو العكس، ينجذبان.... يتبادلان الكلام الجنسي عبر وسائل التواصل، أو يقومان بمغامرات جنسية (جزئية أو كلية)... ثم فجأة تطفو للسطح طُهرانية الشاب ويشعر بالضيق وعدم الارتياح لأن فلانة سايرتْه في ذلك وكانت رخيصة، وهو يعرف أنها لم تفعل ذلك إلا معه فقط.
بل بلغت وقاحة أحدهم أن يختبر بنتا لم تُقِمْ علاقة مع غيره، عذراء المشاعر، ويضغط عليها لتقول أو تقبل ما هو جنسيّ.. ثم يخيب ظنّه فيها ويريد أن يتركها بعد أن "دنّسها"! مع أنها كانت تُبدي رفضا، وبعد أن قبِلتْ على مضض، فسّرها هو أنها كانت راغبة (عقلية مريضة) يعتقد أنه يستطيع أن يدنّس كيف شاء ويختبر كيف شاء، وهو خارج المعادلة تماما ! وكأن أخلاقياته هو لا تخضع للاختبار. ينغمس معها في الوحل، ثم يخرج منه ليعيّرها بسواده !
هذا نوع حقير تحكمُه عقلية ازدواجية مقيتة، يشعر أنه فوق المحاسبة ولو لاشعوريا، ولا يرى العلاقة مسؤولية مشتركة ولا يتحمل تبعاتها التي غالبا يكون هو السببب فيها. بل لا يرى أن ما فعلته الفتاة معه كان من أجله وليس لأنه "رجل" كأي رجل... لأنها أحبتْه ووهبتْه نفسَها في متعة مشتركة ذات التزام متبادل... هكذا تفهمها البنت
فالبنت تحكم على فعله معها ومن أجلها، في حين هو يحكم على فعلها بشكل استعلائي يقيّم فيه عفاف وطُهر بنات المجتمع كلهنّ (لذلك يشعر أنه غير معنيّ بالزلة الجنسية المنظّر والمصلح المغوار!)، وكأنها متاحة للكل دون اعتبار الملابسات التي جعلتها تقوم بذلك (حبها له، ثقتها به، اعقتادها أنهما لبعضهما...) مع أنّ هذا يصح في حق أغلبية الرجال، فهو مستعد ليقبل بأي دعوة للجنس من أي امرأة كيفما كانت، لذلك يقوم بإسقاط عقدته وعيبه عليها، فيشك إن هي فعلتْ ذلك معه دون زواج، فقد تفعله بعده ولا تؤتمن! وواضح أن هذا فعل الرجال وليس فعل النساء عموما. بل قد يُقيم علاقات بالتوازي في كلها يبدو رومانسيا راغبا جنسيا في حين هي لا تستطيع أن تعيش تلك الازدواجية إلا في حالات تبقى أقل من نسبة الرجال قطعا.
وببساطة يقرّر أن يتركها لأنها ليست شريفة، ويذهب ليبحث عن التي لم تكلم رجلا في حياتها ولم يمِل قلبُها لأحد قطّ! يرميها عظما بعدما أخذها لحما، والضرر النفسي عليها أكبر لأن صورتها الذاتية عن الأنوثة والعفة تتدمّر بسببه لأنه نزع شرطَ تقبّلها لتلك التجاوزات (اكتمالُ الارتباط)..
أما بالنسبة للشاب صورته الذاتية متعلقة بمن سيترتبط بها وبدرجة صونها لنفسها وإحساسه أنه وحده من امتلكها ولا يقبل منها ذرّة غلط، ولا تتعلق بمبادئه هو واستعفافه، لذلك يمشي دون خجل بعد مغامرات عديدة ليطلب يد "بنت ملتزمة" ! حتى يعيش راحة نفسية بعيدا عن وخز الضمير والإحساس بالعار والشك المتكرر في بنت ستصير زوجته وهي "ذات السوابق"
فالبنات أشرف من الشباب في هذه النقطة حقيقة، ومهما قال الشباب أو دافعوا عن أنفسهم، فتواتر التجارب والأخبار قد جعلت صورتهم قذرة في نظر البنات وأفقدتْهنّ الثقة. لكن السذاجة تضمن تكرار تلك التجارب، لأن وجهات النظر مختلفة، تطلعاتها وفهمها للعلاقة مختلف تماما عن تطلعات وترقبات الرجل الشرقي المتناقض.
فكم نَصح العقلاء بنات حواء أن يحذرن من تقديم أنفسهن "رخيصات" حتى لو كان الحب موجودا والعقد بعد شهر، لكن العواطف والرومانسية تغلب على التعقل، فنفسية الذكور وما يُزعجها تأخذ منحى آخر غير ما يُزعج الأنثى ويقضّ مضجعها. وينبغي أن تفهم المرأة أن نفسية "الرجل الشرقي" تتعايش مع ازدواجيتها بشكل عجيب، دون حتّى أن يكون "وحشا متلاعبا" ... فهو يكتشف مشاعر النفور وعدم الاحترام للبنت التي سايرته لأول مرة ربّما، تلك الآلية كامنة حتى تُفعّلها شروط معيّنة، تتدخل فيها صورة "الذكر" الذي لا يُساءَل على عُذريّته ومغامراته (فوطة تغسل ويُعاد استخدامها، والبنت ورق محارم يُرمى)، وأحقيته في تعدد التجارب والعربدة... وصورة "الأنثى" التي تتمركز فيها مفاهيم العفة والطّهر والمِلكية الأحادية للمجتمع بأسره وليس فقط الأسرة.
أضرار متبادلة وتصورات مغلوطة تؤثر في تصرفات الجنسين معا، فعقلية الرجل نفسها (الذي يتباهى بالمنطقية قالوا) تتكرّر حتى بعد الزواج وعلاقة مقبولة، فقد يمرض بالشك إذا ما بيّنت زوجته شيئا من التمتع والتحرر في علاقتهما، فهو "راغب مرتعب" في الوقت نفسه، يريدها أن تكون متحررة متغنجة، لكنه مرعوب من فكرة كونِها كذلك وما وراءها من أسباب وتجارب! فهو يشتكي من "الزوجة الدّمية الباردة" وهو نفسه يصدّر لذلك النموذج بافتراضه أنّ الثقافة الجنسية والتصالح مع الذات يساوي العُهر والفجور!
لاحظوا التقارب بين الحالتين، في الأولى اتّهمها بدعوى أنها رخيصة، في الثانية حتى وهي زوجته يشك فيها لأنها تقول أو تفعل ما لا يتوافق مع مفهوم الشرف والعفة عنده!
والقاسم مُشترك، فهو متصالح مع جنسانيته ورغباته ويطلب المزيد والمزيد من زوجته ولا يسأل نفسه من أين جاء بهذا، فإن هي سايرتْ اتّهمها وشكّ فيها، وإن هي رفضتْ غضب وعبس... كما شك ولام وحمّل البنت التبعات كلها في علاقة خارج إطار الزواج، بعد أن طلب المزيد والمزيد، وغضب في حالة تمنّعت، واحتقرها ونبذها إن هي فعلتْ!
فكيف نريد للمجتمع أن يتعافى من عُقده النفسية ولعب الأدوار الخزعبلية التي تُناط به. فلا عجب إن تصرّفت بعدها البنتُ بحذر لتُمثّل دور الشريفة العفيفة (أي الغبية المتبلّدة المكبّلة) كما يحبّها/يكرهها زوجها... لتبقى العبثية والازدواجية جاثمة على نفوسنا... تحسبُ نفسها تناطح الملائكة بفعلها وهو قد حظيَ بالفاضلة النموذجية !
فنصيحتي للبنات، من أرادكنّ من الرجال، فليطرق الباب ولْتختبرْنَ حسّهم بالمسؤولية والشهامة قبل أن تختبرن ذوقهم في الموسيقى واللباس وقدرتهم على الكلام المعسول، فذلك أشرف لكُنّ، وأبلغُ في حقّ النفوس المريضة. والسلام
واقرأ أيضاً:
الجنس وأزمة عقلنة الأخلاق / كانت تجمعنا علاقة حبّ ثم تركني... الحقير