تعريفـــه:
الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع مع معرفة الشخص المتحدث بذلك. وبمعنى آخر فالكذب هو عملية تزييف متعمد للواقع بقصد الغش والخداع.
ولقد قصدنا إيراد هذا التعريف لكي يسهل علينا التعرف على السلوك إن كان كذباً فعلاً أم شيئاً يشبه في ظاهره الكذب ولكنه في الحقيقة شيء آخر.
* هل الكذب سلوك فطري أم مكتسب؟
لا يولد أحد كذاباً... فالكذب سلوك مكتسب كما أن الصدق أيضاً سلوك مكتسب، أي أنه أولا وأخيراً يأتي من البيئة المحيطة بالطفل (الأسرة غالباً).
* هل للأسرة دور في تعليم أبنائها الكذب؟
بالتأكيد نعم... والأمثلة كالتالي:
[1] إعطاء نماذج للكذب داخل الأسرة: "بابا غير موجود"..... "بابا نائم"... "أمي لم تحضر بعد".... "أخي ذهب إلى الدرس"... "لقد وعدتني بهدية حين أنجح ولم تحضرها لي يا أبي".
[2] الإصرار الشديد على الصدق المطلق في كل صغيرة وكبيرة، وهذا يضطر الطفل إلى الكذب لتفادي قسوة ومبالغة الوالدين.
* ما هو السن الذي نستطيع أن نصف السلوك بعده أنه كذب؟
غالباً هو سن الخامسة، فقبل هذا السن لا يميز الطفل كثيراً بين الحقيقة والخيال لذلك نظلمه إذا وصفناه بالكذب.
* هل الكذب سلوك دائم أم أنه عرض طارئ يمكن تغييره؟
هذا يتوقف على البيئة المحيطة، فإذا دعمت الكذب لسنوات طويلة يصبح أحد سمات الشخص الأساسية أما إذا كانت هناك محاولات جادة لتعديل هذا السلوك في وسط مناسب فإن هذه الصفة يمكن تغييرها.
أنـــــواع الكـــــذب:
(1) الكذب الخيالي:
وهو شائع في الطفولة المبكرة للأسباب التالية:
0 عدم قدرة الطفل في السن المبكر (قبل الخامسة) للتفرقة بين الحقيقة والخيال.
0 هناك الكثير من الألعاب التي يقوم بها الأطفال تتضمن نوعاً من التخيل والتأليف لأحداث غير حقيقة.
0 التعبير عن أحلام الطفل وأمنياته فهو يتمنى أن يشتري له والده دراجة يلعب بها فيخبر أخاه بأن والده أحضر له الدراجة فعلاً وأنها موجودة فوق السطوح.
0سماع الأطفال لحكايات أسطورية وخيالية من الآباء والأمهات والأجداد (حدوته قبل النوم).
0 ولا يجب أن نصف هذه التخيلات الطفولية بالكذب، ولا تنزعج منها ولا نعتبرها جنوحاً أو ميلاً للكذب المرضي فيما بعد...
ولكن فقط علينا كآباء وأمهات أن نربط الطفل من آن لآخر بعالم الواقع وأن نخبره بأننا سعداء بتخيلاته ومع هذا فنحن نعلم وهو سيعلم معنا أنها نوع من اللعب والتسلية... وأن ما يقوله الطفل ليس صدقاً وليس كذباً وإنما هو نوع من التسلية أو المداعبة.
0 وفى بعض الأحيان يكون هذا التخيل بذرة لموهبة قصصية أو فنية يتعهدها الآباء والأمهات بالرعاية.
(2) الكذب الالتباسى:
هنا يلتبس الواقع بالحلم(سواء في النوم أو اليقظة) في عقل الطفل الصغير، فيختلط هذا بذاك في قصة بعضها حدث وبعضها لم يحدث ولكن الطفل يمزج هذا بذاك ليشكل(حدوته) منطقية يقبلها عقلة الصغير فمثلاً: تذهب طفلة صغيرة إلى أمها وتحكي لها كيف أن بواب العمارة أخذ منها لعبها ونقودها وصفعها على وجهها حين كانت تلعب أمام العمارة.
0 وربما تصدق الأم هذه الرواية من الطفلة خاصة وأنها تعلم أن بواب العمارة رجل فظ ويتوقع منه أن يفعل ذلك ولكن في الحقيقة أن الطفلة قد رأت في منامها أن بواب العمارة قد فعل ذلك، وبما أنها تخاف منه أيضاً في الواقع لفظاظته لذلك قصت الحكاية لأمها على أنها حدث فعلاً، والأم مالت لتصديقها لأن شخصية البواب يمكن أن يتوقع منها ذلك السلوك، وهذا النوع يزول تدريجياً مع تقدم الطفل في السن.
(3) الكذب التعويضي:
يلجأ إليه الطفل حين يشعر بالنقص وبأنه أقل ممن حوله، أو لكسب الإعجاب والإطراء من والديه خاصة حين يفشل في الوصول إلى توقعاتهما في عمل شئ معين فيلجأ إلى اختراع نجاحات كاذبة. أمثلة لذلك:
طفل في الصف الرابع الابتدائي ضعيف البنية قصير القامة ويعاني من إيذاء زملائه له في المدرسة بسبب ذلك وهو حين يعود إلى البيت يحكي لأبويه كيف أنه استطاع وحده أن يضرب سبعة من زملائه الأشرار في الفصل حين حاولوا ضربه.
طفل في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة لغات وهو ابن لموظف صغير في أحد الدواوين الحكومية في حين أن معظم زملائه من أبناء الطبقة العليا في المجتمع وقد اعتاد هذا الطفل أن يحكي لزملائه عن الأملاك التي يمتلكها والده وعن الوظائف المرموقة التي يحتلها أعمامه وأخواله في الدولة.
فتاة في السنة الثانية الإعدادية سمراء اللون، نحيفة، لها أنف طويل وعينان ضيقتان، وقد اعتادت هذه الفتاة أن تشكو في البيت وفى المدرسة من الصبية الأشقياء الذي يعاكسونها في التليفون ويمشون وراءها إذا خرجت من البيت ويكتبون لها خطابات غرامية.
وهذا النوع من الكذب يحتاج للاهتمام بالطفل وتفهم احتياجاته النفسية ومشاعر النقص والدونية عنده ومحاولة إيجاد طرق واقعية لتحقيق هذه الاحتياجات دون اللجوء للكذب، وإلا فسيتحول هذا النوع إلى كذب مزمن وربما يتطور إلى محاولات خداع ونصب واحتيال في الكبر.
(4) كذب الاستحواذ:
وهو يحدث للطفل الذي يعاني من قسوة والديه ومن انعدام الثقة بينه وبينهما ومن حرمانه من أشياء كثيرة يرغب في امتلاكها لذلك يلجأ للكذب للحصول على أشياء كثيرة فمثلاً يخبرهم بأن المدرس طلب منه مبلغ خمسة جنيهات لتجميل الفصل، أو أن مدرب كرة القدم طلب عشرين جنيهاً لإعطائه تدريبات إضافية. أو تأتي فتاة لتقول أن مديرة المدرسة طلبت من كل الطالبات أن يشترين حذاءاً أسود بمواصفات معينة (ترغب فيها الفتاة).
فالطفل حين يفقد الثقة في البيئة المحيطة به ويشعر بالحرمان ربما يميل إلى هذا النوع من الكذب لامتلاك أكبر قدر من الأشياء التي يرغب فيها، وهذا النوع من الكب يحتاج للاقتراب وجدانياً من الطفل وإشعاره بالثقة والأمان وتفهم احتياجات حتى لا يضطر للاحتيال للحصول عليها.
(5) كذب المحاكاة (التقليد):
حيث يقلد الطفل أحد والديه في المبالغة عند الحديث، فمثلاً نجد الأب يصف حادث سيارة فيبالغ بشكل درامي في وصف الأهوال التي رآها في هذا الحادث ويبالغ في وصف دوره البطولي في إنقاذ المصابين، وكيف أنه استطاع أن يمنع كارثة محققة بسلوكه الشجاع علماً بأن الطفل كان حاضراً لهذا الحادث ورأي أن والده لم يكن له مثل هذا الدور في الحادث.
أو يكذب الأطفال لأنهم اعتادوا أن الكذب سلوك مقبول في الأسرة فمثلاً تأخذ الأم طفلها على أنهما ذاهبين لفسحة ثم يكتشف أنها خدعته وأخذته لطبيب الأسنان أو وعده الأب بشراء هدية ولم يفي بوعده.
(6) الكذب لجذب الانتباه:
هذا النوع يلجـأ إليه نوعان من الأطفال:
- الطفل الأناني المدلل الذي يريد أن يظل موضع اهتمام والديه طول الوقت، لذلك فهو يكذب لجذب انتباههما حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى غضبهما منه، فالمهم أن يكون موضع الاهتمام.
- الطفل المهمل المنبوذ الذي يريد أن يحصل على انتباه والديه الغافلين عنه نظراً لانشغالهم بإخوته أو بمشاكلهم اليومية، فلا يجد وسيلة في نظره إلا الكذب لإحداث حالة من التوتر تعيد إليه اهتمام والديه.
(7) كذب الكراهية والانتقام:
الدافع إلى هذا النوع من الكذب هو مشاعر الحقد والغيرة والكراهية والرغبة في الانتقام، وهذا النوع شائع بين الأخوة في الأسرة حيث يأتي طفل إلى أبيه (أو أمه) ويشتكي إليه بأن أخيه اعتاد أن يسرق نقوداً من حقيبة أمه، أو تأتي فتاة وتحكي لأمها كيف أن أخيها الذي يكبرها يعاكس الفتيات في الشارع.
ويحدث أيضاً في المدارس فمثلاً تتهم فتاة زميلها الذي تكرهه بأنه حاول معاكستها وهي في الحقيقة تكرهه لعدم اهتمامه بها أو تجاهله إياها وربما تدّعي كذباً بأنه أرسل لها خطابات غرامية وغالباً يكون هذا النوع من الكذب بسبب إحساس الطفل أنه مظلوم من والديه أو مدرسية أو لغيرته من أقرانه وإحساسه بأنه أقل منهم حظاً واهتماماً.
وهذا النوع من الكذب يحدث مشاكل كثيرة داخل الأسرة وداخل المجتمع ويؤدي إلى توقيع عقوبات على أشخاص أبرياء، ولذلك يجب الانتباه له ومعالجته في نطاق الأسرة والمدرسة أن أمكن بتفهم دوافعه وإذا فشل ذلك فيجب إحالة الطفل أو الطفلة إلى أخصائي نفسي أو طبيب نفسي.
(8) كذب الخوف من العقاب (الكذب الدفاعي):
هذا النوع من الكذب يشكل حوالي70 % من الكذب عند الأطفال خاصة فوق سن السادسة وهو بذلك يعتبر من أكثر أنواع الكذب شيوعاً.
وهو يحدث حين يسود نظام عقابي صارم وشديد في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، فيلجأ الطفل إلى الكذب خوفا من التعرض للعقاب، وربما يلقى بالتهمة الموجهة إليه إلى شخص آخر برئ فيصبح الكذب مزدوجا حيث ينفى التهمة عن نفسه (كمرحلة أولى للكذب) ثم يلصقها بشخص برئ (كمرحلة ثانية للكذب).
وهناك آباء وأمهات يضربون أبناءهم ضربا مبرحا لكي يقولوا الحقيقة، وهم بذلك يدفعونهم دفعاً للكذب حيث يضطر الطفل إلى أن يقول ما يريد الأبوين سماعه للتخلص من هذا الضرب الشديد الواقع عليه وهذا النوع لكي يعالج يحتاج إلى بيئة تتسم بالتفاهم والتقبل لزلات الطفل وأخطائه ومساعدته على تصحيحها بوسائل تربوية ايجابية دون اللجوء إلى العقاب الشديد كحل طول الوقت.
(9) الكذب لمقاومة السلطة:
ويلجأ إليه الطفل حين يعيش تحت سلطة والديه قاسيه ومتسلطة فأبواه يرسمان له طريقا للدراسة والتعامل مع الحياة، وليس مسموحا له أن يكون له أي خيارات ذاتية، لذلك فهو يطيعهما في الظاهر ويفعل ما يريد خلف ظهرهما ويملأ الفجوة بين الظاهر والباطن بأكاذيب يخترعها. فمثلا تسأله أمه عن الواجبات المدرسية فيقول لها أن المدرس كان غائباً ولم يعطنا واجبات، وحين تسأله عن درجة امتحان الشهر يعطيها الشهادة وقد قام بتغيير الدرجات بقلمه حتى تقترب من الدرجات النهائية التي تريدها الأم.
والعلاج في هذه الحالة يتطلب تغييراً في الوالدين قبل الطفل بحيث لا يلغيان شخصية الطفل وخياراته الذاتية ويعطيانه فرصة لكي يكون هو نفسه ويتقبلان صعوباته وقدراته بشكل واقعي.
(10) الكذب الاجتماعي:
ويستخدمه الأطفال والبالغون على السواء للاعتذار عن موعد أو الاحتراس من بعض الضغوط الاجتماعية. وليس بالضرورة أن يكون الكذب الاجتماعي صفة لازمة للشخص.
(11) الكذب المرضى (المزمن):
وهو الكذب المتعمد المزمن حيث يجد الطفل نفسه مدفوعاً إلى الكذب لا شعوريا فيكذب في أغلب المواقف بحيث يصبح الكذب أحد سماته البارزة التي يشتهر بها بين من يعرفونه والكذب هنا يكون جزءا من منظومة سلوكية مضطربة مثل السرقة والهروب من البيت أو المدرسة أو المراوغة والغش والاحتيال والعنف.
وهذه الحالة تحتاج لعلاج نفسي واجتماعي متخصص قبل أن تتحول هذه المنظومة السلوكية المضطربة إلى سلوك اجرامي معاد للمجتمع.
علاج الكذب عند الأطفال:
عند التفكير في العلاج يجب ملاحظة التالي:
0 سن الطفل: فقبل سن الخامسة تكون الاحتمالات بريئة وليست كذباً بالمعنى المعروف.
0 هل الكذب صفة لازمة أم سلوك عارض؟
0 ما هي دوافع هذا الكذب وملابساته؟
0 ما هو نوع الكذب؟
0 هل الكذب عرضاً منفرداَ لدى الطفل ؟ أم أنه جزء من تركيبة سلوكية مضطربة ؟
0 العقاب لا يجدي كثيراً في علاج الكذب … كما أن التشهير بالطفل أمام العائلة وأمام الأصدقاء يجعله يتمادى في كذبه كما يؤثر ذلك سلبا في شخصيته.
0 علينا أن ننظر في المصادر الأصلية للكذب في البيئة والتي منها استقى الطفل هذا السلوك، بمعنى أن ننقى الجو المحيط بالطفل من كل مظاهر الكذب في الكلمة وفى السلوك. وهذا يستدعى شجاعة من الوالدين في مواجهة كذبهما الشخصي أولا ليكونا بحق قدوة حسنة لطفلهما فكما تعلم منهما الكذب يتعلم منهما الصدق.
0 دراسة احتياجات الطفل المحبطة كالحاجة للحب والتقدير والحاجة للأمان، لأن عدم إشباع هذه الحاجات ربما يدفعه للكذب انتقاما أو هربا أو تعويضاً.
0 إتاحة الفرصة للطفل للتعبير عن نفسه دون قهر أو خوف حيث أن القهر والخوف يدفعانه دفعاً إلى الكذب.
0 تحمل أخطاء الطفل وزلاته والتسامح معه كلما أمكن ذلك دون الوقوع في خطأ التدليل المفسد أو التساهل.
0 الوفاء بوعودنا التي نقطعها مع الطفل وإعلان قيمة الصدق في الأسرة.
0 يجب أن نعلم أن أضعف الوسائل الإصلاحية في هذه الحالات هي العقاب والنصح اللفظي.
واقرأ أيضًا على مجانين:
فن المذاكرة / الثانوية العامة .... مرحلة دراسية أم أزمة نمو ؟ / الكذب Lying