نفسية المصريين الفساد القيمي (حجم الانشقاق بين عالمين)
جلست محدثتي المصرية الفنلندية (مصرية الأبوين هاجرا من زمان إلى فنلندا، فنلدنية الجنسية بالمولد والتربية)، كانت سمراء في أوائل العشرينات من عمرها، جاءت لتدرس الطب في مصر؟! سألتها في فضول شديد: ولكن كيف ودراسة الطب هناك متقدمة كثيراً زائدة قاطعتني وهي تشرئب بعنقها في الهواء وتسرح بعينيها في الفضاء: هم خافوا علي من فساد الغرب!! ثم أطلقت ضحكة هسترية صارخة وعالية جداً....
صَمَـتُّ لأستوعب الموقف، وحدقت فيها كثيراً وسمحت بإيماءة من رأسي لها بأن تستكمل حديثها المدهش... قالت: لكن الفساد هنا يحوطني من كل جانب، شيء فظيع. سألتها -هل أنت وحدك في القاهرة؟! هزّت رأسها علامة النفي ثم قالت: (لا.. أمي معي وأبي يعمل في الخليج. اضطربت أمي جداً، تغيرت وتحوّلت بعدما تعرضت لتجربة مؤلمة،
كان أبي يعمل في إحدى دول النفط العربية المجاورة في شمال أفريقيا اشتبهوا، في اسمه فاحتجزوه وعذبوه وأرسلوا ملابسَه إلى أمي في فنلندا فكادت تموت، لم تمت لكنها جُنّت ومازالت خارج دائرة وعيها. أعانها الله وأعاننا عليها. سألتني علي استيحاء: هل شاهدت فيديو كليب (ماريا) وهي طالبة مدرسة (غالباً ثانوي فرنساوي)، تتزين كبائعات الهوى، وتنثر كلمات العشق هنا وهناك، الأغنية ليست خادشة للحياء فقط، لكنها مثيرة لعقدة (لوليتا) عند الرجال العواجيز، إنها مثيرة ومرسخة لثقافة بيع الجسد صغيراً واستثمار الغرائز قبل فوات الأوان.
استطردت محدثتي قائلة: إن مثل تلك الأغنية تخضع للرقابة في أوربا وأمريكا عارضتها، وقلت: من بدأ رحلة الجنس مع بنات المدارس (غالباً بالبلوزة البيضاء المفتوحة والجونلة الغامقة القصيرة)؟ هي تلك المغنية العالمية (بريتني سبيرز)، حينها فقط تذكرت صديقي الذي طلب مني مراجعة الأغنية فوراً وتشفير المحطات التي تذيعها حتى لا تراها بناتنا الصغيرات جداً، (تسع وعشر سنوات فقط لا غير.
لمع شعار الأغنية في نهايتها (ترقبوا مدارس ماريا في كل أنحاء العالم) لَمَع موسوماً بـ (علامة تجارية) هي الأولى التي نراها الآن كتقليد جديد لوجه ماريا (كرتوني) يفرقع لبانة أو يمُص مصاصة؟! حمراء؟! أحسست بغصة وخوف شديدين.
إذن فالمسألة قد تَعَدّت الجنس الصريح والمباشر من بالغات مكتملات مثل (نجلا وبوسي سمير وهيفا وغيرهن) إلى بنات بين الطفولة والمراهقة أو في عزّ المراهقة، وبعيداً عن تناولات درامية أو استعراضية مثلما حدث مع سعاد حسني في(صغيرة علي الحب) نجد أننا أمام ثقافة بيزنيس، ثقافة الصورة التي لا تحمل تسلية للكبار فقط، لكنها تحمل لهم دعوى وإحياءاً للرغبة تنبيهاً وتوجيهاً، ثقافة الهواء والهذر والتيك أواي. عندئذ قرأت وبفزع شديد (وائل عبد الفتاح - صوت الأمة ـ (10/1/2005) ص (14) بمشاركة أميرة ملش)
والكاتب هنا لا يعتمد علي خياله ولكنه يملك معلومات الملف رقم (24690) جنح الزيتون وكانت الصدف قد شاءت أن أطلع علي ملفات نفسية لبعض البنات في مثل تلك السن ومن نفس الحي؟! موضوع الملف (24690) باختصار أن بنتاً زي القمر (16 سنة) فُصلت من مدرستها بعد ما عرفت المديرة بانها كانت تدير شبكة دعارة للقاصرات العذراوات لحساب رجل أعمال انفتاحي (300 جنيه للبنت و100 جنيه للمراهقة القوادة + الهدايا).
توقفت كثيراً عند التضاريس الاجتماعية الجغرافية والنفسية للحدث الجلل (الطبقة شعبية تسكنها الطبقة المتوسطة، المدرسة في قلب الحي المكتظ بمقاهي الانترنت ومحلات الملابس والسوبر ماركت الذي يعرض شيكولاته مستوردة غالية وحلوى رخيصة، (40 بنت) وقعن في الشبكة تحت تأثير الرغبة في الدخول إلي عالم المحرمات الغامض جداً وتقريباً كده اللذيذ جداً، وسيلة الجذب والشد إلي هذا العالم الفظيع: إغراء بموبايل (أهم مليون مرة من لقمة العيش ومن الهدمة كمان) ثم فلوس، والجاني الذي يشتري اللّذة مُصاب بعقدة (لوليتا) حسب وصف الكاتب كل سكرتيراته في سن المراهقة ويرتدين ملابس مثيرة، روايات عن جنس جماعي وعن سيارات فارهة، وعن رجل مريض بداء الـ (Pedophilia) (عشق القاصرات والأطفال جنسياً) التلذذ بانتهاك جسد بكر وجهاز تناسلي بكر، صدر بكر، وإحساس بكر، كسر كل مقاومته وإطفاء كل رغباته المحمومة غير المفهومة دون أدنى تفكير أو إحساس بالذنب.
فض العذرية في نرجسية مريضة يريد فيها إثبات الرجولة وكسر حاجز السن (فارق السن تقريباً 35 سنة) هنا لم يكن الدافع لكل هذا الفزع مادياً، إنه كان تلك الرغبة المقيته في تجريب المجهول: بالضبط مثل فيلم سينما، يبدأ بصبغة شعر صفرا (تثير الشباب والعواجيز) وتعد علامة فارقة لبنات الأحياء الشعبية رمزاً للأنوثة الفجة (الشقراوات ما زلن في نظر البعض هن النساء الحقيقيات: هند رستم، نادية لطفي، مارلين مونرو) والانتقال من مظلّة المراهقة إلي مرحلة النسوان ولم يكن الأمر -كذلك- كما يسرد وائل عبد الفتاح درءاً للجوع لكنه كان من أجل اللحاق بالعصر، امتلاك جهاز موبايل، وملابس (سينية) داخلية (أحدث موديل وتتعمل مرة واحد بس).!!
ويتم كل هذا في إطار فوضي اجتماعي أخلاقية شديدة تُسرق فيها اللقمة والسيجارة، الموبايل والقلم الرصاص، ثقافة (الرغي) حيث تصل نسبة استخدام المحمول في الرغي فقط إلى (75%) حسب بعض المصادر، وفي إطار إحالة (1165) مسئولاً ورجل أعمال إلى النيابة والجنايات بإدارة الكسب غير المشروع بوزارة العدل (الميدان 6 يناير 2005 ) الموضوع أكبر من أن يفسر اجتماعيا أو أسرياً وأن الأسرة المصرية قد صارت مفككة والأولاد يسرحون في الدنيا بدون رقابة، أكبر من مجرد رصد، لأن البون شاسع للغاية وما حدث في (18 ، 19 يناير 1977) عندما هاجم الفقراء بما فيهم جنود الأمن المركزي المحرومون رموز الانفتاح والأثرياء الفاحشين الجدد خير دليل على ذلك.
لأن فقدان البوصلة الاجتماعية يزعزع أركان المجتمع ويتركه نهباً لكل الأمراض، فالحكومة التي تتعزز لإلغاء ضريبة المبيعات عن (العسل الأسود) هي نفسها التي تغازل اللصوص في أوربا لكي يعودوا، وتتنازل لهم من دم وعرق الناس عن مليارات. لا أود هنا أن الوي عنق الطب النفسي وأقدم تفسيراً لحالة بنت ثانوي التي جَرّت معها (40 تلميذة) ولنتأمل هنا [فقرات من مذكرة بنت من نفس تلك المدرسة عرضتها على الأخصائية الاجتماعية التي عرضتها بدورها على الطبيب النفسي... (مدرستي دي أبيأ (الأكثر بيئة) مدرسة (الأكثر انحطاطاً) في التاريخ أو بمعنى آخر أوسخ مدرسة في التاريخ، أول ما تدخل هاتفرح قوي من منظر الجناين والأشجار وبعدين تبتدي الحقيقة في الظهور هتلاقي، خير اللهم اجعله خير بنت وشلتها ماسكين بنت وشلتها برضه وهاتك يا شتائم والأمواس اللي تحت اللسان تبتدي في الظهور يشرشحوا لبعض بأقذر الشتائم غير الخناقات اللي على طول شغالة هتلاقي دايماً البنات صايعين في الحوش يطبلوا ويرقصوا ويزغردوا،
كذلك كان فيه مبنى مهجور في المدرسة بنسميه (سجن النسا) ورا بقى تلاقي الحَبّيِبَة أشكال وألوان أصل المدرسة بيجيلها شباب من الجامعات عشان يتدربوا على آلات الموسيقى، وبعدين عندنا البنات ما بيصدقوا يشوفوا شباب في المدرسة فيتبصحوا بيهم يروحوا معاهم وراء (سجن النسا) ويعيشوا حياتهم لدرجة إن المدرسة اكتشفوا فيها (8 حالات) زواج عرفي و(5) منهم حوامل. نعدي بقى على الحمام وهناك إيه حلاوة ما يعلم بها إلا ربنا كل بنت مع صاحبتها بتحسسها إنها بميت راجل نطلع بقى فوق مبنى (قصر الإليزية) وده أوسخ مبنى في المدرسة أنا شخصياً فصلي فيه. فيه إيه بقى....! (75%) من بنات الفصول مطرودين عشان معاهمش كتب، إحنا أساساً بننساها عمداً عشان نتطرد بَرّه الفصل]. جُوّه الفصول بقى دي حكاية! بنات بتتكلم في الموبايل وبنات بتفتح سوست الجونلات لبعضها وبنات بتمد أيدها من تحت الجونلات آل إيه عايزة تعرف صاحبتها بنت ولاّ مش بنت وغيره. نرجع بقى لعلاقات البنات مع المدرسين والمدرسات.
أولاً: علاقة البنات بالمدرسات:
عندنا في المدرسة كل بنت مِعرّفة مدرستها مقامها كويس قوي ما بتتعاملش معاها إلا بـ (نعم يا روح خالتك) (إنتي أخدتي عليا أوي) وطبعاً الجملة دي بتتقال لما بتسألها المُدرسة سؤال في المنهج، أمّا المدرسين بقى عنيهم ما بتنزلش من على صدور البنات والهانش بتاعهم، وعن علاقة المدرسات ببعضهم فيالهوي ده موال تاني وصداع ما يعلم بيه إلا ربنا، فالعلاقة كلها شتايم خصوصاً لو بنت بتاخد عند واحدة درس وسايبة مُدرسة الفصل بتاعها. أنا قبل كده كان ليّ مزاج أقف في خناقة فوقفت في خناقة بين أحقر مُدرسين وكان يوم بقى. كانوا بيخترعوا ألفاظ ويقولوها مثل (يا بنت المفرقعة ـ يا بنت المطرقعة ـ يا بنت الواطية) وهكذا... وغير ذلك مما لا يسمح به النشر.
لكن في إطار الفهم الشامل للمسألة يهمنا أن ندرك التركيبة التي عليها مثل تلك البنت، لعل وعسي، علماً بأن الأمر لا يحله. الطب النفسي ولا محكمة الأسرة ولا محكمة الجنايات ولا واعظ الكنيسة ولا شيخ الجامع ولا رب الأسرة ولا مديرة المدرسة، يحله التأني والتدبر والتحقق فيما يدور في تلك الحالة المرعبة حالة كرة الثلج المتدرجة (The Snow Ball Effect) التي ما أن تبدأ في التدرج من فوق حتى تأخذ وتلم من كل حتة ومن كل هضبة ومن كل مكان نتفة وورقة شجر موبوءة وبواقي كراسة عليها أشعار ماجنة وقلم أحمر شفايف مضروب، وزجاجة خمر صغيرة وفلوس مسروقة وأحلام مسروقة وغشاء بكارة تائه لم يعد رمزاً لأي شئ... مع روشتة باسم ومكان دكتور يصلح الذي كان، بالسعر المناسب حسب الوقت المناسب وفي المكان المناسب.
هل لنا أن نتأمل- قليلاً احتمال ما يمكن أن تكون عليه بنت أو بنات، ولد أو أولاد، هل نحن طبياً نفسياً أمام حالة انشقاق للهوية (Dissociative Identity Disorder) وهذا ليس معناه (فصام العقل Schizophrenia) لكنه يعني أن من لدية تلك الحالة لا يعاني من اضطراب في التفكير، الإدراك والوجدان مثلما حالات الذهان (الجنون)، أي أنها لا تسمع أصواتاً ولا ترى خيالات ولا تعتقد في ضلالات (معتقدات خاطئة لا تقبل الشك)، لكن الخلل يمكن في تصدع الشخصية وتفككها وتلك النماذج تتعامل مع واقعها بشكل عادي جداً لا يثير الشك إطلاقا (رايحة فين: المدرسة، بتعملي إيه: بذاكر، بتخرجي مع مين: مع صاحبتي، راجعة منين: من الدرس !!)، وتكون حبوبه دافئة قادرة علي إقامة علاقات متعددة مع نماذج بشرية مختلفة دون خوف أو فزع وأيضاً بدون جرأة أو اقتحام.
أهم ما يخص ذلك الاضطراب هو ذلك التأرجح الواضح والبَيّن بين شخصيتين أو أكثر (والأمر قريب من سعاد حسني في بئر الحرمان، إلا أنه بعيد عنه، لأن الأمر يتم كما هو نفس لبس المدرسة، نفس الخطوات، لكن مع قليل من التوحش يكبر مع كل لقاء جنسي للبنت مع رجل عجوز كان أم شاباً، مع كل جني لثمار تلك اللقاءات المحرّمة خارج إطار الأسرة، ومثل تلك الفتيات غالباً ما يكن سطحيات محدودات الفكر، فقيرات الوجدان. سلوكياتهن محصورة في إطار اللذة والبهرجة والاستعراض مع كثير من الصدمة الناعمة المختبئة تحت الجلد، والناجمة عن ممارسة جنسية مع آخر لا تحبه لكنها مبسوطة من التجربة (الإيلاج - الجو ـ الفلوس - المكان - الموبايل - الأخريات... وهكذا).
هنا تتداخل وتتواري وتتعشق أمور كثيرة مع بعضها البعض تظهر إحداها فجأة أو تظهر كلها مجتمعة في صورة نشاز قبيحة، وكأنها (كولاج) تشكيلة قص ولصق نفسي اجتماعي أخلاقي مبتورة الحواف رغم جمالها قد تبدو بشعة، فنجد مثلاً بنتاً وجهها مثل القمر كل لمحات وقسمات الطفولة ظاهرة عليه، لكن الصوت أجش ودخان السجائر يخرج من الصدر والأنف في خشونة، طريق الكلام لها مدلول المعلمين القوادين ومشردي الطرق.
إذن فهي أمر يشبه اللخبطة والمسخ والطبيخ البايت بلا روح وبلا معنى وبكثير من العفن، باختصار إطار جميل لصورة مشروخة ملصوقة مركبة غير متناسقة الألوان معلقة على الحائط مهزوزة معوّجة وسهلة السقوط في أي لحظة، بمعني اغتيال البراءة عمداً، بمعنى الفصل القاطع بين حياتين وفقدان الذاكرة التلقائي غير المعتمد لأحداث ووقائع مشينة مع الاستمرار في حياة عادية وكان شيئاً لم يكن، وكأنها لم تزل بنت الـ (16 سنة) البريئة المبتسمة الساذجة الملتزمة بمذاكرتها وهي أيضا تلك الفاجرة التي تأكل بجسدها ربما أحست به وربما صار كالقلم الرصاص وقلم الروج وأجندة مذكراتها اليومية مجرد لحم وتكوين تشريحي لامرأة: ساقين وأجهزة تناسل، وثديين يستخدمون في أمور جانبية - ساعتين زمان وخلاص.
ش العيش بين حياتين دون الشعور أنه الوقوف علي حد السكين، النظر في عيني الأم والأخ ووداع الأب عند السفر وهم أحياناً يحسون أو يعرفون لكنهم ـ للأسف ـ وأحياناً تحت وطأة أي ظرف وأي حَدّ أو... استوت الحالتين عندها وهذا هو مكمن الخطر.
اقرأ أيضاً :
المصريون وبانوراما النفس والجسد1 / المصريون ....والتربص الاجتماعي