لأكثر من ثلاث سنوات بقيت الرابطة العربية للإعلاميين العلميين بذرة في باطن الأرض تحاول أن تشق طريقها إلى النور حتى تحقق المراد بتوقيع اتفاق تأسيس الرابطة بشكل رسمي كشبكة من شبكات المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا مقرها القاهرة، وقد شقت تلك النبتة المتولدة من البذرة طريقها في ظروف تزايدت الحاجة فيها إلى وجودها، بالرغم من أنه لم تواتها الظروف المناسبة طوال تلك الفترة حتى تشق طريقها بشكل مرض، في وقت نمت فيه عدد من الحشائش الضارة والتي قدمت صورة سلبية عن الإعلام العلمي في العالم العربي،.. حول مبررات وجود الرابطة، ورحلة خروجها إلى النور نعيش سويا ما بين تلك السطور.
البذرة.. ظروف ومبررات الوجود
الحديث حول ظروف ومبررات وجود فكرة تأسيس الرابطة يستدعي في الذهن حزمة منها، ترتبط أولى مفرداتها بعملنا في القسم العلمي بإسلام أون لاين، والذي حاولنا فيه أن نقدم إعلاما علميا مختلفا عن السائد، حريصا على مستوى من الجودة والإحسان ومرتبطا بقضايا أمته، وهو ما سلكنا في سبيله مسلكا تجريبيا قائما على المحاولة والخطأ وقد كان كلنا من هواة الإعلام لا من محترفيه، وذلك حتى تبلورت أمامنا رؤية واضحة لارتباط الإعلام العلمي بالنهضة والتنمية من خلال دوره في منظومة العلوم والتكنولوجيا في بلادنا.
المفردة الثانية ارتبطت بحالة الإعلام العلمي والتي تكونت صورتها من خلال المتابعة والاحتكاك بالبيئة الممارسة للإعلام العلمي حولنا والتي تبينا فيها عددا من السلبيات منها:
- انهيار أخلاقيات ممارسة المهنة نتيجة مجموعة من السياسات الاقتصادية والتي أدت إلى تسارع أفراد المجتمع لتحصيل مكاسب مادية على حساب أخلاقيات المهنة.
- تدني مستوى الإعلام العلمي من حيث حرفيته ومهاراته.
- حتى المستوى الجيد الذي يقدم في بعض وسائل الإعلام العلمي والتي لا ننكر وجودها القليل، وجدناه منبت الصلة بالواقع فهو يلهث وراء الجديد والتقدم الذي يحدث على المستوى العالمي دون أن يكون له أي قول، أو يكون له قولا ضعيفا فيما أصاب منظومتنا العلمية والتكنولوجية، أو ما يتطلبه واقعنا من حلول علمية وتكنولوجية.
المفردة الثالثة: هي حالة منظومة العلوم والتكنولوجيا في بلادنا وصلتها بالواقع الذي تعمل فيه، فهذه المنظومة إما مفككة الأوصال، أو غير مرتبطة بالواقع بالقدر الكافي، أو أن سياسة الاستسهال في نقل التكنولوجيا قد أدت إلى ضعف مكوناتها، إضافة إلى أن ارتفاع قيم ومكونات معينة في حياتنا العربية أدى إلى تدني قيمة العلوم والإبداع التكنولوجي.
في ظل تلك الحزمة من الظروف عادت إلينا الزميلة الدكتورة نادية العوضي في أوائل عام 2003 بعد حضورها لمؤتمر دولي في مجال المياه بسلسلة من المعارف في مجال الإعلام العلمي وباكتشاف لاتحاد الدولي للصحافة العلمية، ومثله للصحافة البيئية، وهو الخيط الذي التقطناه في القسم العلمي وبدأنا ننسج على منواله حلمنا في تأسيس شبكة أو رابطة عربية للإعلام العلمي.
بداية الرحلة..غرس بذرة الفكرة
حينما التقطنا الخيط بدأنا ننسج فكرتنا على أساس أن تكون رابطة عربية وليست قطرية، وأن تشمل كل العاملين في مجال الإعلام العلمي وليس فقط الصحافة العلمية، ومن ثم بدأت تحركاتنا من خلال ما توافر لدينا من صلات في ذلك الوقت، فتواصلنا مع من نعرف في هذا المجال على المستوى المصري والعربي، وطرحنا عليهم الفكرة، وسعينا إلى السير في 3 مسارات:
- الأول تأسيس وجود إليكتروني عربي على الواقع الافتراضي لشبكة الإنترنت فكان تأسيس المجموعة الإليكترونية Arab Science Journalists في 14 نوفمبر 2003
ثم تأسيس موقع إليكتروني للرابطة: www.arabsciencejournalists.net
- الثاني السعي لتأسيس الرابطة قانونيا سواء مع الجامعة العربية، أو كجمعية أهلية، أو شركة مدنية في مصر، ثم في لبنان، وهي الجهود التي لم تسفر عن تأسيس الرابطة لسبب أو لآخر من أسباب قانونية تصعب من تأسيس الرابطة بعضوية عربية متساوية الحقوق.
- الثالث وضع إطار قانوني ولائحي يحكم عمل المؤسسة وذلك من خلال الدستور والذي اصطلح على تسميته أخيرا بالنظام الأساسي، والذي مر بأكثر من مرحلة للتنقيح والمراجعة كان آخرها أثناء وبعد مؤتمر دمشق المنعقد أخيرا في الفترة من 11 إلى 14 ديسمبر 2006.
ثم كان أن عززنا تلك المسارات برابع، وهو فرض الوجود العملي على المستوى الدولي وإن لم يتحقق ذلك الوجود قانونيا على أرض الواقع وذلك من خلال:
- حضور ورشة عمل تدريبية أقامها المكتب الإقليمي للمركز الدولي (الكندي) لبحوث التنمية في القاهرة في مايو من عام 2003، واستثمرها الحضور في الترويج لفكرة تأسيس الرابطة والمجموعة الإليكترونية، والذي شهد حضورا للمدير التنفيذي للاتحاد الدولي للإعلاميين العلميين.
- حضور المؤتمر الدولي الرابع للاتحاد الدولي للإعلام العلمي والذي عقد في مونتريال في عام 2004، وانتخاب الدكتورة نادية العوضي ممثلا للرابطة العربية عضوا بمجلس إدارة الاتحاد ورئيسا للجنة البرامج به.
- المشاركة في البرنامج التدريبي "زميل لزميل" والذي أتاح للرابطة فرصة أكبر للانفتاح على عدد أكبر من العاملين في مجالات الإعلام العلمي بالعالم العربي، وكانت مشاركة الرابطة على ثلاثة مستويات:
0 مستوى منسق البرنامج في المنطقة العربية: والذي تولته الدكتورة نادية رئيس الرابطة.
0مستوى المدربين Mentors: حيث اختير الدكتور مجدي سعيد (العضو المؤسس بالرابطة وعضو مجلس الإدارة الحالي) كأحد خمسة مدربين في العالم العربي.
0 مستوى المتدربين Mentees: والذي اختيرت فيه الزميلة الدكتورة نهال لاشين العضو المؤسس بالرابطة كواحد من عشرين متدرب على مستوى العالم العربي.
ويتضمن برنامج زميل لزميل أيضا تشجيع المشاركين على تأسيس روابط للإعلام العلمي في بلادهم وأقاليمهم، كما يتضمن أيضا توأمة تلك الروابط الناشئة مع روابط عريقة في مجال الإعلام العلمي.
النبتة ترى النور
لم تتوان الدكتورة نادية العوضي رئيس الرابطة ومن ورائها الأعضاء المؤسسون عن السعي لإعطاء فرصة لميلاد الرابطة رسميا، وقد لاح أمل في الأفق حينما كانت تحضر مؤتمرا في إيطاليا وكان يحضره أيضا عضو مجلس إدارة "المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا"، وحدث تشاور بين الاثنين حول رغبة المؤسسة في العمل في مجال الإعلام العلمي، ورغبة الرابطة في التأسيس، ومن ثم وخلال مفاوضات استمرت ما يقرب من سبعة شهور، ولقاءات ومراسلات عديدة مع المؤسسة ممثلة في رئيسها الدكتور عبد الله النجار، ومجلس إدارة الرابطة المنتخب حديثا في أغسطس من ذلك العام (2006)، تم توقيع اتفاق تأسيس الرابطة كشبكة من شبكات المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا خلال مؤتمر صحفي على هامش المؤتمر الرابع للمؤسسة، وذلك يوم الأربعاء 13 ديسمبر 2006.
تأسيس الرابطة.. دروس الرحلة
إذا كانت رحلة الرابطة قد انتهت بأن تأسست قانونيا ورأت النور بعد ما يقرب من 4 سنوات فإن ذلك التأسيس يفتح آفاقا لاستنبات بذور أخرى للنهضة والتنمية تحتاج إليها أمتنا، وهو ما يفرض علينا ضرورة استخلاص الدروس من تلك المسيرة:
- أول تلك الدروس أن القائمين على فكرة ما يريدون استنباتها لابد لهم من أن يحافظوا على التوازن بين بقاء جوهر الفكرة نقيا غير قابل للتنازل، وبين مرونة تعديل التفاصيل والحواشي.
- ثانيها أنه لابد لأصحاب أي فكرة مثيلة أن يستثمروا كل الإمكانات المتاحة للتحرك دوليا ومحليا وإقليميا لفرض الوجود سواء على المستوى الافتراضي أو على المستوى العملي.
- ثالثها لابد أن يتوافر في ذلك الفريق ألوان متنوعة من الخبرات أولا خبرة التواصل على المستوى الدولي، وثانيا خبرة صياغة الأفكار والرؤى في شكلها النظري، إضافة إلى خبرة تكييف كل ذلك في الإطار المحلي والإقليمي ورابعا خبرة تمليك الفكرة للناس مع حمايتها من أخطار الحشائش الضارة والنباتات المتسلقة.
آفاق المستقبل
لا يعد تأسيس الرابطة بحال نهاية للرحلة بل ربما ولادة جديدة لها تحت الأضواء الكاشفة، بما يفرضه ذلك من تحدي المسئولية أمام الناس عن إنجاح الفكرة ونموها لتصير شجرة باسقة مورقة ومثمرة، ويتطلب ذلك:
- صياغة لأطر ترويج الفكرة سواء على توسع العضوية بين الأفراد أو على مستوى تأسيس روابط قطرية، مع استمرار حماية الفكرة من القرصنة التي يمكن أن تتعرض لها الفكرة وهي لا زالت نبتة وليدة
- وضع برامج مستقبلية تري الناس جدوى وثمرة كل هذا الجهد لشق الأرض عبر رحلة الأربع سنوات، حتى تكون الرابطة كيانا ينفع الناس فيمكث في الأرض، ولا تكون من الزبد الذي يذهب جفاءا.
- الحفاظ على شفافية وديمقراطية وفاعلية الأداء حتى تتحقق رسالة وأهداف الوجود.. وجود الرابطة في الأرض العربية ومنظومته العلمية والتكنولوجية في صلتها بالواقع الذي يعيشه الناس.
اقرأ أيضاً على مجانين:
عون المسلمين21 عاما من العمل في صمت / جرامين 2006.. ملامح مرحلة جديدة