معدلات وإشكاليات
لا يوجد نشاط جنسي مثير للجدل والنقاش وعلامات التحذير وفي ذات الوقت يمارس على مستوى كبير مثل العادة السرية, فعلى الرغم من كل الاعتبارات الدينية والاجتماعية والأخلاقية والطبية وشبه الطبية إلا أن الثابت من الإحصاءات (خاصة تلك التي أجراها ألفريد كنزي) فإن تقريبا كل الرجال وثلاثة أرباع النساء قد مارسوا تلك العادة في فترة من فترات حياتهم, وبعضهم استمر يمارسها بقية حياته في حين توقف الآخرون.
وقد تمت بعض الدراسات الأحدث في بعض المجتمعات الغربية لقراءة الظاهرة إحصائيا فوجد أن 88% في سن الخامسة عشرة يمارسون العادة السرية (الاستمناء), وأن هذه النسبة تقل مع التقدم في العمر . ووجد أيضا أن نصف غير المتزوجين من الرجال والنساء يمارسونها حتى سن الخمسين وما بعدها, وقد يستمر الرجل في ممارستها حتى مراحل متأخرة من عمره.
ولا توجد –حسب علمي– دراسات منضبطة في المجتمعات العربية والإسلامية توضح لنا نسبة من يمارسون ذلك من الرجال والنساء, وهناك صعوبة في مثل هذه الدراسات حيث تؤدي الوصمة الاجتماعية والموقف الأخلاقي والديني إلى ميل الناس لإخفاء هذا الأمر, وبذلك تصبح النتائج غير عاكسة للحقيقة, وهذا مما يجعل الباحثين في العلوم النفسية عازفين عن القيام بدراسات في مثل هذه المسائل, ولكن الملاحظات الطبية والحياتية اليومية تؤكد انتشار هذا الأمر بشكل واسع خاصة لدى الشباب الذي يعيش أزمة التعرض للمغريات ليل نهار على الفضائيات وفي الإنترنت والشارع في الوقت الذي لا تتاح له فرصة الزواج –إن أتيحت– إلا في وقت متأخر من عمره, ومن هنا كانت أهمية دراسة هذا الموضوع برؤى متعددة ومحايدة.
التعريف
واللفظ الأكثر شيوعا في العصر الحالي هو العادة السرية أما في العصور السابقة فقد كانت تستخدم كلمات أخرى للتعبير عن هذا الفعل, وفي اللغة العربية يسمى "استمناء" عند الذكور و"تبظرا" عند الإناث, وهو يعني الدلك بقصد للأعضاء التناسلية مع تخيلات جنسية أو بدونها للوصول إلى درجة الإنزال (القذف). وفي هذه الدراسة قد نستخدم مصطلح العادة السرية أو الاستمناء كمرادفين للدلالة على نفس الفعل.
معركة العادة السرية
بسبب تضارب الآراء الطبية والدينية يدخل الكثير من المراهقين والشباب في صراع مرير ومؤلم مع العادة السرية فهم يقعون تحت ضغط وإلحاح الغريزة الجنسية وفي نفس الوقت لا يجدون منصرفا طبيعيا مشروعا لها فيلجئون للعادة السرية وربما ينغمسون فيها, ثم تطاردهم أفكار بأن ما فعلوه يؤدي إلى ضعفهم العام وهزالهم واصفرار وجوههم وحب الشباب المنتشر لديهم, والدمامل التي تصيبهم, وضعف بصرهم, والرعشة في أطرافهم, وقلة تركيزهم وتوهانهم وشرودهم. ثم يزداد الأمر صعوبة ويزداد الضغط على أعصابهم حين يسمعون أن الاستمناء حرام, هنا تثور مشاعر الذنب وربما تستمر لسنوات, وتحدث حالة من ضعف تقدير الذات والإحساس بالدونية والقذارة والضعف والهوان.
وقد كان بعض علماء النفس يعتقدون أن حالات النهك العصبي (الشعور بالإرهاق والتعب والضعف) قد يسببها إدمان العادة السرية . وقد ثبت بعد ذلك من الأبحاث العلمية أن تلك الحالة من الإرهاق والتعب يكمن وراءها مشاعر الخوف والذنب والصراع المرير مع الرغبة والعجز عن تصريفها أو التسامي بها, كل هذا يشكل استنزافا لقوى الشخص. ونظرا لاعتياد الشخص على الاستمناء واعتقاده بأنه مرفوض دينيا واجتماعيا وطبيا ومع ذلك يمارسه, فإن ذلك يؤدي إلى حالة من الازدواجية حيث يظهر أمام المجتمع في صورة الشخص المهذب المطيع, وحين يخلو إلى نفسه يفعل عكس هذا تماما, وهنا تترسب في أعماقه فكرة أنه منافق أو مخادع أو جبان, وترتبط لديه مشاعر اللذة (أي لذة) بالشعور بالإثم والعار.
الموقف الطبي
وهذا الموقف تعكسه المعلومات المتوفرة في المراجع العلمية, ونحاول أن نوجزه فيما يلي:
تعتبر العادة السرية تجربة أولية (بروفة) للعلاقة الجنسية, وهي نوع من الممارسة السرية الذاتية قبل الخروج بالممارسة إلى العلاقة الثنائية التي يوجد فيها طرف آخر. وقد يعتقد البعض خطأ أن العادة تبدأ ممارستها بعد البلوغ, وهذا غير صحيح فمن المعروف أن محاولات الإثارة الذاتية شائعة ليس فقط في سن الطفولة بل حتى في سن الرضاعة, حيث يقوم الطفل بملامسة أعضائه التناسلية فيستشعر أحاسيس معينة نظرا لوجود أعضاء حسية جنسية في هذه المناطق فيشجعه ذلك على معاودة هذا الفعل, وبعضهم ينغمس في ممارستها من وقت لآخر إلى درجة الإرهاق مما يؤدي إلى إزعاج الأهل وشفقتهم على الطفل أو الطفلة.
وهذا يبدأ كنوع من حب الاستطلاع, فكما يتعرف الطفل على أصابعه وفمه يفعل نفس الشيء مع أعضائه التناسلية, ولكن ملامسة الأعضاء التناسلية تعطي قدرا أكبر من الأحاسيس السارة للطفل لذلك يعاود ملا مستها ويصبح لديه اهتماما طبيعيا بهذه الأعضاء وبما يتصل بها من أحاسيس, وقد تحاول الأم كف الطفل (أو الطفلة) عن هذا الفعل فيتوجه انتباهه (أو انتباهها) أكثر تجاه هذه الأعضاء المثيرة والمرفوضة في ذات الوقت, وهذا ربما يثبت العادة أكثر وأكثر.
وبينت الدراسات أن الأطفال يبدءون في مداعبة أعضائهم التناسلية في سن 15-19 شهرا من عمرهم. ولا يتوقف اهتمام الطفل على أعضائه التناسلية فقط وإنما يمتد اهتمامه إلى أعضاء الآخرين (كنوع من حب الاستطلاع) مثل الأبوين أو الأطفال الآخرين أو حتى الحيوانات. ومن هنا تبدأ محاولات الاستعراض والاستكشاف لتلك الأعضاء بين الأطفال وبعضهم, وقد يتوقف ذلك عند المشاهدة وقد يتعداه إلى الملامسة, وهي سلوكيات تعتبر طبيعية بشرط عدم الاستغراق والتمادي فيها, أي أنها تكون سلوكيات عابرة في حياة الطفل يتجاوزها مع نموه النفسي والاجتماعي ويكتسب القدرة على الضبط السلوكي والاجتماعي فيعرف ما يجب ومالا يجب بالقدر الذي يناسب مراحل نموه وتطوره. ولكي يحدث ذلك فمن الأفضل أن لا تحاط هذه الأشياء الاستكشافية بمشاعر ذنب شديدة أو بتحذيرات مخيفة أو بعقوبات قاسية لأن كل ذلك من شأنه أن يحدث تثبيتا لهذا السلوك, ويشعل الرغبة أكثر وأكثر في مزيد من حب الاستطلاع لهذه الأشياء اللذيذة والممنوعة في آن واحد لدى الطفل.
ومع بداية البلوغ وزيادة نشاط الهورمونات الجنسية, تشتعل الرغبة بشكل كبير وتزيد معدلات ممارسة العادة السرية لدى المراهقين خاصة أنه ليست لديهم وسيلة أخرى لتفريغ هذه الطاقة وليست لديهم مهارات كافية للتعامل معها بشكل إيجابي, ويزيد هذا الأمر لدى المراهق المنطوي الهادئ الذي يفتقد للعلاقات الاجتماعية وليست لديه اهتمامات ثقافية أو رياضية مشبعة لأن طاقته في هذه الحالة تتوجه أغلبها في اتجاه العادة السرية. وفي هذه المرحلة من العمر تحدث الرغبة الجنسية ضغطا هائلا على المراهق, فهو قادر على الممارسة الجنسية ولكن القيود والضوابط الاجتماعية تمنعه من ذلك, وهنا يشعر بتوتر شديد ويبحث عن مسار آمن يخفف به هذا الضغط, فيجد أمامه العادة السرية والتي تشعره بهويته الجنسية وفي ذات الوقت لا تعرضه لمشاكل اجتماعية.
ومن المعروف أن الذكور يمارسون العادة السرية بشكل أكثر من الإناث ويصلون فيها إلى درجة الإرجاز (القذف والنشوة). وهناك فرق مهم بين ممارسة العادة السرية في الطفولة وممارستها في المراهقة وهو وجود الخيالات الجنسية في فترة المراهقة, تلك الخيالات التي تلعب دورا في تحديد الهوية الجنسية فيما بعد, فإذا كانت الخيالات المصاحبة للممارسة غيرية (أي موجهة للجنس الآخر) تأكدت الهوية الجنسية تجاه الجنس الآخر, أما إذا كانت تجاه نفس الجنس فإن الهوية الجنسية المثلية تتأكد مع تكرار الممارسة مع هذه الخيالات. وتمتد ممارسة العادة السرية في سن الشباب إلى أن تستبدل بالممارسة الطبيعية مع الزواج, وهناك بعض الناس يستمرون في ممارستها بعد الزواج في فترات تعذر الممارسة الطبيعية كالبعد عن الزوجة, أو عدم الرضا بها, أو وجود عائق مثل الحمل أو الولادة أو مرض الزوجة أو الزوج.... الخ.
وفي نسبة قليلة من الأزواج قد تكون العادة السرية بديلا مفضلا عن الممارسة الجنسية الطبيعية حتى في حالة إتاحة الأخيرة ويكون هذا نوع من التثبيت على الإثارة الجنسية الذاتية, وهنا تحدث مشاكل زوجية كثيرة نظرا لاكتفاء الزوج بالإشباع الذاتي وانعزاله عن زوجته. وقد بيّن "كينزي" (الباحث الشهير في السلوك الجنسي) أن غالبية النساء يفضلن التنبيه البظري أثناء ممارسة الاستمناء, وأكد "ماستر وجونسون" (وهما أيضا من أشهر الباحثين في السلوك الجنسي) أنهن (أي النساء) يفضلن مداعبة عنق البظر وليس رأسه حيث أن الأخير يكون شديد الحساسية للاستثارة الزائدة. أما الذكور فيمارسونها عن طريق مداعبة عنق القضيب ورأسه بشيء من العنف أحيانا. وهناك طرق أخرى للممارسة لدى الجنسين حسب طبيعة ومزاج كل شخص وبعض هذه الطرق قد تحمل مخاطر للأعضاء الجنسية خاصة في الفتيات كأن تحاول الفتاة إدخال جسم غريب في العضو التناسلي مما يؤدي إلى فض غشاء البكارة, أو حدوث تقرحات أو التهابات في هذه الأعضاء.
وعلى الرغم من بعض الأقوال التي تشير إلى أن العادة السرية تؤدي إلى المرض النفسي أو إلى ضعف القدرة الجنسية فإنه لا يوجد دليل علمي على ذلك, ويبدو أن هذه الأقوال مرتبطة أكثر بالتحريم الأخلاقي أو الاجتماعي, أما من الناحية الطبية فإن العادة السرية تصبح عرضا مرضيا فقط في ثلاث حالات:
1 – حين تصبح قهرية, بمعنى أن الشخص لا يستطيع التحكم فيها وينغمس فيها لأوقات طويلة حتى وهو غير مستمتع بها.
2 – حين يسرف فيها إلى درجة كبيرة, فالإسراف في أي شيء يعتبر اضطرابا يخرج عن إطار الصحة التي تتطلب الاعتدال, والإسراف هنا يؤدي إلى حالة من الإرهاق والتشوش والعصبية, ويستهلك طاقة الإنسان التي كان يجب أن توظف في أنشطة إيجابية.
3 – حين تصبح بديلا للممارسة الجنسية الطبيعية فيكتفي بها الشخص وينصرف عن الزواج أو عن الزوجة.
ونظرا لأن العادة السرية تمارس على نطاق واسع في كل الثقافات لذا يرى الباحثون أنها مرحلة في النمو النفسي -الجنسي, وأنها في فترات معينة تكون نشاطا تكيفيا لحين توافر الممارسة الطبيعية. كان هذا هو الرأي الطبي والذي ننقله عن عدة مصادر أهمها:Synopsis of Psychiatry , By Sadock ,B and Sadock , V , vol 2 , 2004 وهو المرجع الأساس في الطب النفسي في أكثر دول العالم, وقد يختلف البعض أو يتفقون مع بعض أو كل ما ورد فيه, ولكنه يبقى رؤية طبية قائمة على الملاحظة العلمية والدراسات الإحصائية, وكعادة العلم فهو قابل للمراجعة والتعديل مع توالي الدراسات والأبحاث.
حكم الشرع في العادة السرية (الاستمناء)
حسب علمنا وبعد محاولات بحث وتقصي عديدة لا يوجد حديث صحيح حول موضوع الاستمناء (العادة السرية), وكل ما ورد من أحاديث عنها إما ضعيف أو موضوع, مثل "ناكح كفيه ملعون". وهذا يستدعي وقفة وتأملا, فعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا إلا وضّحه وتحدث فيه إلا أنه لم يتحدث عن هذا الأمر وسكت عنه مع أنه منتشر بين الناس وخاصة الشباب في ذلك العصر وفي كل العصور, ولا يتصور أن يسكت الرسول عن أمر واسع الانتشار كهذا الأمر نسيانا, وهذا يجعلنا نتعامل مع هذا الأمر على أنه من المسكوت عنه رحمة بالناس وتقديرا لضعفهم واحتياجاتهم.
أما على مستوى القرآن الكريم فالله تعالى يقول في سورة المعارج: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ"(المعارج29-31). ووردت آيات ثلاث بنفس النص في سورة المؤمنون: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون) (المؤمنون 5-7).
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآيات من سورة "المؤمنون": "أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنى ولواط, لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري, ومن تعاطي ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ولهذا قال" فإنهم غير ملومين "فمن ابتغى وراء ذلك" أي غير الأزواج والإماء "فأولئك هم العادون" أي المعتدون. وقد استدل الإمام الشافعي رحمة الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ" قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين, وقد قال الله تعالى "فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون", وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عرفه في جزئه المشهور حيث قال: حدثني علي بن ثابت الجزري عن مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين ويدخلهم النار في أول الداخلين إلا أن يتوبوا ومن تاب تاب الله عليه: الناكح يده, والفاعل والمفعول به, ومدمن الخمر, والضارب والديه حتى يستغيثا, والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه, والناكح حليلة جاره", هذا حديث غريب وإسناده فيه من لا يعرف لجهالته والله أعلم (ابن كثير, تفسير القرآن العظيم, الجزء الثالث, دار المعرفة, بيروت, صفحة 249, 250).
وقد اختلف العلماء حول المقصود من قوله تعالى "ما وراء ذلك" كالتالي:
* الشافعية والمالكية: رأو أن العادة السرية (الاستمناء) تدخل في "ما وراء ذلك" وبالتالي فإن من يرتكبها يكون من "العادون", وبالتالي فهي حرام. وهذا الحكم يجعل العادة السرية في مقام الزنا, ولم يقل بذلك أحد, والقول بالتحريم هنا لا يستند إلى دليل صريح.
* الحنفية: رأوا أن "ما وراء ذلك" يقصد بها الزنا فقط, وبالتالي فإن العادة السرية مكروهة, وإن ممارستها تنتقل من الكراهة إلى الإباحة بثلاثة شروط:
1- أن يلجأ إليها الشخص خشية الوقوع في الفاحشة.
2- أن من يقوم بها يكون غير متزوج.
3- أن يمارسها لتصريف الشهوة إذا غلبته وليس لإثارة الشهوة الكامنة.
ويقول الشيخ سيد سابق عن حكم الاستمناء (العادة السرية) في كتابه "فقه السنة" (المجلد الثاني, الطبعة الثامنة, 1407ه-1987م, دار الكتاب العربي, بيروت, صفحة 388-390):
"استمناء الرجل بيده مما يتنافى مع ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من الأدب وحسن الخلق, وقد اختلف الفقهاء في حكمه: فمنهم من رأى أنه حرام مطلقا, ومنهم من رأى أنه حرام في بعض الحالات وواجب في بعضها الآخر, ومنهم من ذهب إلى القول بكراهته. أما الذين ذهبوا إلى تحريمه فهم المالكية والشافعية والزيدية, وحجتهم في التحريم أن الله سبحانه أمر بحفظ الفروج في كل الحالات, إلا بالنسبة للزوجة وملك اليمين, فإذا تجاوز المرء هاتين الحالتين واستمنى كان من العادين المتجاوزين ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم, يقول الله سبحانه: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" (المعارج29-31).
وأما الذين ذهبوا إلى التحريم في بعض الحالات والوجوب في بعضها الآخر فهم الأحناف, فقد قالوا: إنه يجب الاستمناء إذا خيف الوقوع في الزنا بدونه, جريا على قاعدة: ارتكاب أخف الضررين. وقالوا: إنه يحرم إذا كان لاستجلاب الشهوة وإثارتها. وقالوا: إنه لا بأس به إذا غلبت الشهوة, ولم يكن عنده زوجة أو أمة واستمنى بقصد تسكينها.
وأما الحنابلة فقالوا: إنه حرام, إلا إذا استمنى خوفا على نفسه من الزنا, أو خوفا على صحته, ولم تكن له زوجة أو أمة, ولم يقدر على الزواج, فإنه لا حرج عليه. وأما بن حزم فيرى أن الاستمناء مكروه ولا إثم فيه, لأن مس الرجل ذكره بشماله مباح بإجماع الأئمة كلها, وإذا كان مباحا فليس هنالك زيادة على المباح إلا التعمد لنزول المني, فليس ذلك حراما أصلا, لقوله تعالى: "وقد فصّل الله لكم ما حرم عليكم" (الأنعام 119), وليس هذا مما فصل لنا تحريمه, فهو حلال لقوله تعالى: "خلق لكم ما في الأرض جميعا". قال: وإنما كره الاستمناء لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل, وروى لنا أن الناس تكلموا في الاستمناء فكرهته طائفة وأباحته أخرى, وممن كرهه ابن عمر وعطاء, وممن أباحه ابن عباس والحسن وبعض كبار التابعين, وقال الحسن: كانوا يفعلونه في المغازي" (انتهى كلام الشيخ سيد سابق).
وورد في موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر التي يرأس تحريرها الدكتور عبد الحليم عويس (الجزء الثالث– دار الوفاء– الطبعة الأولى 1426ه-2005م , صفحة 620-621) في باب "مشكلات الجاليات الإسلامية في ضوء الفقه الإسلامي" ما يلي: "لا ينكر عاقل أن هذه العادة إنما هي عادة مرذولة, وأنها مما تنفر منه الفطرة السليمة. وقد ذهب كثير من العلماء إلى تحريم الاستمناء باليد, ولا شك أن هذا التحريم هو الأصل خضوعا لنداء الفطرة التي توجب وضع هذه الطاقة الغالية في مصارفها الصحيحة, وأيضا لما يفهمه العقل المسلم من قوله تعالى "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون) (المؤمنون 5-7). فلا شك أن الآية تفيد أنه ما وراء الزوجة وملك اليمين حرام, والاستمناء باليد هو مما وراء ذلك, وإلى هذا الرأي ذهب الإمام مالك والجمهور. لكن الإمام أحمد بن حنبل اعتبر المني فضلة من فضلات الجسم, فجاز إخراجه كالفصد وقد أيده في ذلك الإمام ابن حزم. لكن فقهاء الحنابلة قيدوا هذا الجواز بأمرين:
الأول: خشية الوقوع في الزنا
الثاني: عدم القدرة على الزواج
ويرى الدكتور يوسف القرضاوي ويوافقه في ذلك الشيخ محمد الغزالي والشيخ حسنين مخلوف والدكتور سعيد رمضان البوطي رئيس قسم الفقه بجامعة دمشق والدكتور عبد العزيز الخياط عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية والشيخ على الطنطاوي وغيرهم, يرى كل هؤلاء أنه من الأولى الأخذ برأي الإمام أحمد بن حنبل في حالات ثورات الغريزة وخشية الوقوع في الحرام كشاب يتعلم أو يعمل غريبا عن وطنه في أوروبا أو أمريكا أو غيرها ولا سيما وأسباب الإغراء أمامه كثيرة وهو يخشى على نفسه العنت, فلا جرم عليه أن يلجأ إلى هذه الوسيلة (غير الطبيعية) يطفئ بها ثوران الغريزة على ألا يسرف فيها أو يتخذها عادة.. وينصح هؤلاء الأساتذة الشباب الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات باللجوء إلى المراكز الإسلامية والاندماج في أنشطتها ومجتمعاتها الطيبة والإكثار من صوم أيام الاثنين والخميس وغيرهما إذا تهيأت لهم الفرصة (انتهى كلام الدكتور عبد الحليم عويس في موسوعة الفقه الإسلامي).
ويتبع>>>>>> : العادة السرية بين الطب والدين(2)
واقرأ أيضًا:
العادة السرية وموقع مجانين/ العادة السرية على موقع مجانين / نفسجنسي: العادة السرية إناث، استرجاز / نفسجنسي: العادة السرية ذكور، استمناء