صندوق الانتخابات يضبط إيقاع الحياة في تركيا 1
المجتمع التركي بين الأيديولوجية والبراجماتية:
لم تصل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في تركيا إلى الحكم من خلال الترويج لمبادئ إسلامية مجردة أو التلويح بالعودة لزمن الخلافة الإسلامية حين كانت تركيا تشكل مركز العالم، ولكن هذه الأحزاب وصلت من خلال قدرتها على إدارة البلديات بشكل ناجح، وعلى محاربة الفساد ورفع معدلات التنمية، من هنا اكتسبوا مصداقية لدى المواطن التركي وحتى لدى فئة من النخبة العلمانية، وهذه الأحزاب لم ترفع شعارات إسلامية صارخة ولم تكفر أو تفسق أحداً، ولم تدّع عصمة دينية أو حقا إلهياً، بل كانوا شديدي التواضع من هذه الناحية؛
وهذا ربما يجعل بعض الإسلاميين في المجتمعات العربية ينظرون بتوجس في مدى عمق المرجعية الإسلامية لدى الحزب الحاكم في تركيا خاصة حين يرونه يوفق أوضاعه مع المبادئ الدستورية العلمانية، ويبدي تنازلات يرونها جوهرية أمام السطوة العلمانية خاصة حين تأتي من ناحية الجيش (حارس المبادئ العلمانية).
وقد يتعجب بعضهم أمام بعض التناقضات في الموقف التركي مثلاً تجاه إسرائيل، فثمة علاقات عسكرية وسياحية قوية مع إسرائيل، ومع ذلك نجد مواقف سياسية رافضة وبقوة لعدوان إسرائيل على غزة، ومواقف رافضة لوجود القادة الإسرائيليين المتورطين في هذا العدوان في بعض الفعاليات السياسية العالمية (رفض رجب طيب أردوجان مصافحة بيريز في أحد المؤتمرات الدولية، لعله مؤتمر دافوس، وهاجمه واعترض على وجوده، وترك القاعة وخرج محتجاً). وربما يرجع هذا إلى النظام الديموقراطي التركي، وإلى وجود توجهات براجماتية مختلفة داخل تلك المنظومة تراعي المصالح التركية في العلاقات وتوجهات أخرى تولي المبادئ اهتماماً.
ويبدو أن المزاج التركي يحتاج للمزج بين الأيديولوجية والبراجماتية، فالناس تحتاج للانتماء الديني الذي يضرب بجذوره في أعماق تاريخهم ونفوسهم، وهم في نفس الوقت يحتاجون لأن يعيشوا كما تعيش المجتمعات الأوروبية قريباً جداً منهم، ولذلك فهم يسعون تارة للتقارب مع العالم الإسلامي وتارة أخرى للتقارب أو التوحد مع أوروبا.
والحزب الحاكم الذي جاء بواسطة أصوات الناس في الانتخابات يحقق هذه التركيبة ولا ينفرد برؤية أيديولوجية يفرضها على الناس لمجرد أنه يراها صحيحة، وربما هذا هو سر وصول الأحزاب الإسلامية إلى الحكم في تركيا أكثر من مرة رغم كثرة العقبات الدستورية أمامهم، فأفراد وقادة هذه الأحزاب تربوا على خدمة الناس ورعاية مصالحهم بداية من الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني ومروراً بالبلديات التي أثبتوا فيها كفاءة وأمانة ونجحوا في السيطرة على غول الفساد الذي كان يأكل تركيا ويضعها في مصاف دول العالم الثالث المتخلفة؛
وهم الآن يحققون معدلات تنمية عالية لأنهم يعرفون أن صندوق الانتخابات ينتظرهم وينتظر غيرهم، وهذه هي عظمة الديموقراطية الحقيقية التي لا تعطي الكرسي إلا لمن يقوم على خدمة الناس وتحقيق أهدافهم، وفي نفس الوقت تنزع الكرسي ممن ينحرف به في اتجاهات تحقيق أهدافه الشخصية أو أيديولوجياته الذاتية تحت أي زعم.
أزمة آيا صوفيا التاريخية والدينية:
كنت شغوفاً بزيارة آيا صوفيا لكثرة ما شاهدت صوره وسمعت وقرأت عنه، ولكن ما إن وصلت إليه وتجولت بداخله حتى أصابتني صدمة وشعرت بالخجل التاريخي لما حدث في هذا المكان ووددت الاعتذار عنه، وفيما يلي سبب هذه المشاعر:
آيا صوفيا هي كاتدرائية سابقة وقد بدأ الإمبراطور جستنيان في بنائها عام 532م، واستغرق بناؤها حوالي خمس سنوات حيث تم افتتاحها رسمياً عام 537م.
والكنيسة قد بنيت على أنقاض كنيسة أقدم أقامها الإمبراطور قسطنطين، وقد احترقت الكنيسة القديمة في شغب، مما جعل الإمبراطور جستنيان يبدأ في إقامة هذه الكنيسة. كان بناء كنيسة أيا صوفيا على الطراز البازيليكي المقبب أو الـdomed Basilica ويبلغ طول هذا المبنى الضخم 100 متر وارتفاع القبة 55 متر، أي أنها أعلى من قبة معبد البانثيون، ويبلغ قطر القبة 30 متر.
وتعتبر قبة آيا صوفيا رائعة الجمال والتطور في ذلك الوقت فقد كانت قبة ضخمة ليس لها مثيل من قبل تبدو كأنها معلقة في الهواء. ويصف لنا المؤرخ بروكوبيوس Procopius وهو أحد مؤرخي عصر جستنيان أنه من شدة إعجاب جستنيان بالمبنى لم يطلق عليه اسم أي من القديسين بل أطلق عليه اسم الحكمة الإلهية أو المقدسة " ٍSt . Sophia "، ونقل أيضاً عن جستنيان أنه قال "يا سليمان الحكيم لقد تفوقت عليك" ويقصد بذلك أنه تفوق ببنائه على النبي سليمان الحكيم الذي كان يسخر الجن لبناء الأبنية العظيمة.
وقد استمرت الكنيسة في الاستخدام كمركز للدين المسيحي لفترة طويلة حتى دخول الدين الإسلامي للقسطنطينية 1453 م، فتم شراؤها وتحويلها إلى مسجد حتى بداية القرن العشرين حيث قام أتاتورك بتحويل المبنى إلى متحف حتى الآن.
ربما يمثل آيا صوفيا أهم المزارات في تركيا، وهو فعلاً مزار يستحق الاهتمام، ولكنه يشكل نقطة صراع غير صحية بالمرة، وأعتذر مقدماً لمن يخالفني الرأي في هذا الأمر، فقد كان هذا المبنى الفخم جداً –كما ذكرنا- كنيسة، وقد تم تحويلها إلى مسجد، وحين تتجول بداخلها تجد آثار الصلبان ما زالت موجودة على الأسقف والجدران رغم محاولات رسم نقوش إسلامية على هذه الصلبان لتغطيها. ولم أشعر بارتياح لهذا الأمر وتمنيت لو أن الزمان يعود ويترفع المسلمون عن شرائها وتحويلها إلى مسجد ويدعوها كنيسة كما هي، خاصة وأن لديهم القدرة على بناء أعظم المساجد وأكثرها روعة من الناحية المعمارية.
وأنت حين تزور آيا صوفيا ستجد قريباً جداً منه مسجد السلطان أحمد وهو تحفة معمارية بمعنى الكلمة، وتجد أيضاً في اسطنبول المسجد السليماني وهو أيضا تحفة معمارية، إذن لم تكن هناك حاجة لتحويل كنيسة إلى مسجد، وقد يهاجمني في ذلك بعض المتطرفين أو المتحمسين من الجانب الإسلامي ويعلنون رغبتهم في تحويل كل الكنائس إلى مساجد، كما حدث حين كنت أزور كنيسة نوتردام في باريس، وافتقدت أحد زملاء الرحلة في هذه الزيارة وحين رجعت إلى الفندق وسألته عن سبب تخلفه قال لي:
سأزورها حين تتحول إلى مسجد. ولو رجعنا إلى أصل الإسلام نجد سيدنا عمر بن الخطاب حين دخل بيت المقدس فاتحاً منتصراً قد رفض أن يصلي في كنيسة القيامة حين أدركته الصلاة وفسر ذلك بأنه يخشى إذا صلّى فيها أن يأتي من بعده من المسلمين وينشئون مسجداً حيث صلّى عمر بن الخطاب، وهكذا التفكير الإسلامي الصحيح والذي يحافظ لأهل الأديان الأخرى على بِيَعهم وكنائسهم ومعابدهم ولا يحولها إلى مساجد فأرض الله واسعة، وتحويل كنيسة إلى مسجد لن ينصر الإسلام بل يعيب المسلمين الذين فعلوا ذلك.
وآيا صوفيا الآن لم يعد يصلح للصلاة كمسجد أو كنيسة، ففيه مشكلات معمارية وتصدعات كثيرة تستدعي الإصلاح، ويبدو أن بعض مناطقه آيلة للسقوط مما استدعى وجود الكثير من أعمال الترميم، ولم أر فيه مكاناً يصلح للصلاة.
المظاهر الرمضانية في اسطنبول:
كانت مفاجأة ألا نجد مظاهر واضحة لشهر رمضان في مدينة اسطنبول؛ فحركة الناس لا تتغير مع وقت الصيام أو الإفطار ويبدو أن هناك عدد كبير من المفطرين، وأن من يجلسون في المطاعم للإفطار وقت المغرب أقلية بالنسبة لمن يتجولون في الأسواق في ذلك الوقت، وعدد المصلين في المساجد قليل مقارنة بأعدادهم في بلاد إسلامية أخرى وأغلبهم من كبار السن. وحين ذهبنا لصلاة التراويح كان العدد أيضاً قليل والصلاة سريعة (ثلاثة وعشرون ركعة في حوالي نصف ساعة، حيث كان الإمام يقرأ آية في كل ركعة)، والمساجد قليلة نسبياً فقد كنا نبذل جهداً حتى نصل إلى مسجد، وأغلبها مساجد قديمة وصغيرة يبدو أنها بنيت في العصر العثماني، ولم نر مساجد جديدة وكبيرة كما كنا نتوقع، ولست أدري أيرجع هذا إلى التوجه العلماني الذي ساد في العقود الماضية أم يرجع إلى قلة عدد المصلين في المساجد؟.
وعلى الرغم من قلة المساجد الحديثة في اسطنبول فإن المساجد القديمة ذات القباب المتعددة والفخمة على الطراز القديم تقف شامخة في أنحاء اسطنبول وتشكل أهم معالمها رغماً عن أنف المرشدة السياحية التي تنكرت للمساجد كأهم معالم اسطنبول. وقد امتدت إقامتنا في اسطنبول إلى يوم 26 رمضان ولم نر استعدادات لقرب حلول عيد الفطر المبارك وحمدت الله على أنني أعود إلى مصر لأشهد صلوات واحتفالات ليلة القدر العامرة في المساجد والشوارع.
وحين تفتح التليفزيون التركي لا تجد من مظاهر الاحتفاء برمضان إلا القليل، فخلال فترة إقامتي لم أر إلا أمسية دينية عبارة عن قراءة قرآن وتواشيح نقلها التليفزيون من مسجد السلطان أحمد.
وفي المؤتمر العلمي كانت المأكولات والمشروبات تقدم طوال النهار، وهذا مفهوم حيث أن الحضور أغلبهم من أوروبا ومن العالم الغربي عموماً، ولكن ما ليس مفهوماً إهدار حقنا نحن المسلمين في إفطار وقت المغرب، حيث لم تهتم إدارة المؤتمر بتدبير إفطار لنا، وكنا نضطر لتناول الإفطار على حسابنا الخاص في المطاعم رغم أن اشتراكنا في المؤتمر يتضمن وجبة في اليوم لم نحصل عليها.
النظام والانضباط والنظافة:
يتضح النظام والانضباط في الشارع بشكل جيد؛ فعلى الرغم من ازدحام اسطنبول (عدد سكانها يزيد على أربعة عشر مليوناً، وهي من أكبر المدن الأوروبية من حيث تعداد السكان)، إلا أنه لا تحدث بها تلك الفوضى المرورية التي نشهدها في شوارع القاهرة، كما أن الشوارع والميادين والأبنية نظيفة ومتناسقة ولا توجد في المدينة تلك العشوائيات التي شوهت وجه المدن المصرية وعلى رأسها القاهرة. والطرق والشوارع مرصوفة رصفاً جيداً ينم عن إتقان وصحة ضمير ومعايير عالية في جودة الرصف (يندر أن تجد لدينا في مصر طريقاً أو شارعاً مرصوفاً رصفاً جيداً على الرغم من الأموال الطائلة التي تدفع للرصف وهذا يعكس تغلغل الفساد وخراب الذمم وهبوط معايير الإتقان والجودة).
والنظافة تلحظها على مستوى المدن الأوروبية، وهي ليست في الشوارع فقط بل في الناس، فإذا تجولت في شارع الاستقلال وهو شارع تجاري مزدحم تجد السائرون والسائرات في ثياب أنيقة ونظيفة ويتمتعون (ويتمتعن) بدرجة عالية من الوسامة والجمال التركي والذي يضارع الجمال الأوروبي ولكن مع روح شرقية دافئة وساحرة، وعلى الرغم من ازدحام هذا الشارع وامتلائه بالشباب الوسيم والفتيات الحسناوات إلا أنك لا تجد محاولات تحرش كتلك التي نراها في مدننا العربية بشكل مثير للقلق والاشمئزاز هذه الأيام.
وقد تبدّى حسن التنظيم والإدارة في قاعات المؤتمر حيث كان ينعقد في مركز المؤتمرات القريب من المتحف الحربي؛ ومنذ الوهلة الأولى تلحظ اتساع القاعات وحسن الإدارة والتنظيم وضبط مواعيد البداية والنهاية لكل جلسات المؤتمر وفعالياته، وتوافر كل وسائل العرض والاتصال، وتوافر عدد هائل من العلماء الذين قدموا عصارة جهدهم في صورة أبحاث جديدة وأصيلة في العلوم النفسية والعصبية خاصة ما يمس النواحي البيولوجية في هذه العلوم، وكل هذا الانضباط كان سائداً طوال أيام المؤتمر حتى اللحظة الأخيرة فيه على الرغم من أن أعداد المشاركين كانت حوالي سبعة آلاف وسبعمائة وخمسين شخصاً. وأقارن بين هذا وبين مؤتمرات عندنا في العالم العربي لا تبدأ في موعدها وجلسات تتبدل حسب القوى والأهواء، وشخصيات تستبد بالمنصات وتحول دون التجديد والتغيير.
عداد التاكسي:
وفي اسطنبول حين تستقل التاكسي فإنك تتعامل طبقاً لقراءة العداد، وهذا أمر بديهي في كل بلاد العالم وإلا لما كان للعداد ضرورة في التاكسي، ولكنني أذكر هذا الأمر لأننا في مصر حتى الآن لم نستطع أن نحل هذه المشكلة كعادتنا مع بقية مشاكلنا، فنحن نعيش في كثير من جوانب حياتنا خارج منطق العقل البسيط المستقيم، إذ ترى في كل تاكسي أجرة عداد يتجاوز سعره ثلاثة عشر ألف جنيه أو يزيد (وهذا أحياناً يكون أكثر من ثمن السيارة التي تحتويه) ومع هذا لا يعمل هذا العداد ولا يتعامل به أحد بل يترك تحديد الأجرة لمساومات بين الراكب والسائق تنتهي في كثير من الأحيان بمشاجرات، بينما العداد قابع في مكانه وقد أصابه الخرس ومع هذا يتم التأكد من وجوده وصلاحيته عند تجديد الترخيص!.
والمشكلة في اسطنبول ليست في وجود العداد أو تشغيله ولكن في أمانة بعض السائقين أو عدم أمانتهم؛ فبعضهم يقطع مسافات طويلة بلا داعٍ لتزيد قراءة العداد، ولو أنك لا تعرف الشوارع المؤدية إلى المكان الذي تذهب إليه فستكون عرضة لهذا الأمر فتدفع أضعاف ما يقتضيه المشوار. والإنسان التركي مهذب في غالب الأحوال ولكنه سريع الانفعال إذا مس الأمر كرامته أو هيبته، فما زال بداخله روح الباشا التركي القديم.
مظاهرة في شارع الاستقلال:
وفي يوم الجمعة 11 سبتمبر وبينما نحن نستعد لتناول الإفطار في أحد المساجد في شارع الاستقلال وجدنا تجمعاً للشباب في ميدان تقسيم، وقد حملوا لافتات عليها صورة فتاة مكبلة اليدين ثم مشوا في صفوف منتظمة عبر شارع الاستقلال وهم يهتفون في شكل صرخة منتظمة مع خطوة عسكرية، وتوقعت وأنا أرقب المشهد وصول سيارات ضخمة تحمل جنود الأمن المركزي التركي لتحاصر المظاهرة وتفض الجمع الشبابي وتأخذهم وذويهم إلى غياهب السجون والمعتقلات حيث تمارس معهم كل أنواع التعذيب النفسية والجسدية والجنسية، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث! بل لم يكن موجوداً في ميدان تقسيم غير سيارة شرطة صغيرة رأيتها بعد ذلك أيضاً في غير وجود المظاهرة، وقد انفضت المظاهرة بشكل تلقائي حين وصلت لنهاية شارع الاستقلال دونما مواجهات أو عنف أو اعتقالات، واستمرت الحياة والحركة في شارع الاستقلال كما هي أثناء وبعد المظاهرة.
وحاولت جاهداً أن أرى تجمعات لسيارات الأمن المركزي الضخمة في أي شارع من شوارع المدينة الكبيرة والمزدحمة إلا أنني لم أجد على الرغم من وجود حزب العمال الكردستاني المعارض وحدوث بعض الأعمال المكدرة للأمن العام من وقت لآخر.
من شارع الاستقلال إلى كوبري الجلاء:
كم أصبحت الدنيا صغيرة!! ففي وقت الظهيرة كنا نعبر القرن الذهبي الفاصل بين الجزء الأسيوي والجزء الأوروبي لمدينة اسطنبول وقد أعلن قائد اللنش البحري أننا الآن نعبر بين قارتين في دقائق معدودة وهذا وضع خاص لمدينة اسطنبول، وكان الجو رائعاً ومشهد هذا القرن البحري ومضيق البوسفور رائعاً يعلوه جسر البوسفور المعلّق، وهو تحفة هندسية جبارة وجميلة. وبعد الانتهاء من هذه النزهة البحرية بين قارتي آسيا وأوروبا عدنا إلى الشاطئ لزيارة مسجد وقصر "دولما باشا" تجولنا بعدها في شوارع اسطنبول النظيفة والأنيقة، ثم تناولنا الإفطار في مطعم سمك بشارع الاستقلال وبعدها ركبنا الطائرة لنعود إلى القاهرة ونستمتع بقضاء ليلة القدر في أحد مساجدها الكبيرة والعامرة حيث جموع المصلين تملأ المسجد عن آخره ثم تتمدد في أحد الشوارع الرئيسية فتحدث أزمة مرورية هائلة لم نجد أحداً قادراً على حلّها.
وبعد انتهاء الصلاة كانت هناك أعداد كبيرة من الشباب تملأ الشوارع، ولم يخل شارع من شوارع القاهرة العامرة من محاولات تحرش جارحة ومؤلمة لم نجد شرطياً يتدخل لوقفها، كما لم يخل شارع من اختناقات مرورية ومشاجرات استعملت فيها المطاوي والسكاكين (كم يحتاج هذا الشعب المصري المسكين لإعادة تأهيل بعدما جرى من محاولات تجريف لأخلاقه)، وأكوام من القمامة ربما المتبقية من العام الماضي، وحين مررت تحت كوبري الجلاء كانت رائحة النشادر والفضلات الآدمية تزكم الأنوف (سجّل شارع الجلاء أعلى معدلات تلوث عالمية)، وأعمدة الكوبري ما زالت تحتفظ ببقايا صور قادة الثورة والزعماء والمرشحين المعينين في المجالس المختلفة، وأرتال من سيارات الأمن المركزي الزرقاء ما زالت قابعة قرب ميدان رمسيس لضبط إيقاع المصريين!.
واقرأ أيضا:
خلل في الأنا الأعلى للصحافة والحياة المصرية / إعادة تأهيل وبناء الإنسان المصري1