كارثة تسو نامي..
طالعتنا شاشات التلفاز بمشاهد رهيبة بما جرى في تلك البقعة من الأرض.. وكان من بين تلك المشاهد.. مشهد فتاة.. هي لا تبكي ولا يرتفع صوتها بالصراخ.. ولكن ما ارتسم على وجهها ساعتها من ملامح عبر باستفاضة عما يعتمل في قلبها من خوف وجزع.. حتى أني أعتقد أن هذا الكم من الخوف قد عطل العيون عن البكاء وعطل الحنجرة واللسان عن الصراخ.
ثم -محاولة مني للمقارنة- مررت أذكر مشاهد أخرى للخوف والوجل.. على اختلافها.. وهي كالتالي:
* الطفل يعدو بعيدا ثم تثبت حركته أمه ليأخذ دواءه عن طريق الحقن..
* ومريض الأسنان عندما يجزع بمجرد تشغيل جهاز الحفر بجانب رأسه..
* وطفل آخر يرتعد عندما تخبره أمه بأنها ستجعل أبو رجل مسلوخة يلتهمه!! أو تهدده مدرسته في المدرسة أن ستضعه في غرفة الفئران..!!
* وتلك التي تهب مذعورة إن هي رأت حشرة تسمى –الصرصار- !!
* وهذا الذي يهرول مبتلا!! إذا ما صادفه كلبٌ في الطريق.. بعد ما سبق وتلامست أنياب الأخير بلحم الأول..
* المريض وهو يدخل بجسده تجويف جهاز الأشعة المقطعية يهيأ له أنه لا عودة بعد الدخول..
* الأم ترى طفلها وقد ارتخت عضلاته واستسلم لفعل الطبيب المعالج وهي بين تمني رده إلى الحياة ويقينها باستحالة ذلك.
* السيدات والفتيات القابعات تحت الاحتلال العراقي لمدينة الكويت (1990) وقد انتشرت أخبار اغتصاب النساء... وفي كل لحظة يطرق الباب أو تمر دبابة بجوار البيت.. يجتمع الجحيم في القلوب.. وتزلزل الأبدان..
* هذه الفتاة التي قالت.. نعم لهذا العريس.. أوافق على الزواج منه.. وهي تعرف أن بموافقتها تلك قد وقعت عقدا ربما يكون نهائيا تنسلخ من حياتها الأولى للثانية.. تجهل فيها كل شيء..
* وتلك.. يوم الزفاف.. فهي تخاف اللقاء.. ولم يفلح اشتعال الرغبة من أن تعبر مقلتيها عن خوف.. من مجهول!!
* وهذا.. أيضا يوم الزفاف.. فهو يتوجس خيفة.. ويتمنى لو كان للامتحان بروفه أو حتى دور تاني..
* وحامل تفز منزعجة كلما تخيلت نفسها في آلام المخاض ينشق جسدها عن وليدها..
* وطالبة.. مطلوب منها عرض بحثها على الجماهير من أساتذتها.. وتتضارب الأسئلة في عقلها.. يجرى إيه
لو اتلجلجت!!؟؟
* وآخر.. يصيبه الاختناق ما إذا نظر للبحر.. أو صعد الطائرة..
* وأخرى.. ترتعد إذا ما انقطع التيار الكهربي في مكان تواجدها.. وتخاف بكون الظلام دامس لألا يتسلل لمنزلها –حرامي – على الرغم من يقينها بأنها تحكم إغلاق الباب..
** كل ما سبق من أحداث ماضية أو حاضرة أو مستقبلة على الإنسان.. يتخذ من أجلها الترتيبات الخاصة لتجنبها.. أو يعمل حسابها على الأقل..
جميع هذه المشاهد حقيقية ربما تمر بعضها على أحدنا.. ولكني عندما رأيت مشهد الفتاة الأندونيسية.. ومن قبله نساء فلسطين والعراق.. قلت متسائلة:
ما المشترك بين تلك الأسباب.؟؟؟. لا بد أن يكون في الشيء الذي يخيف.. عامل إخافة.. كما لا بد أن يكون فيمن يخاف مستقبلا (بكسر الباء) لهذا العامل.. بدليل.. أن ليس كل ما يخيف فيما سبق يخيف فعلا وليس كل إنسان يتعرض لمثل هذا الفعل يخاف
هل من حق أحدنا يخاف بإحدى هذه الأشياء.. بعد ما رأينا أهوال تسونامي التي أعتقد أنها عينة من أهوال يوم القيامة..؟؟؟
هل يهدر أحدنا طاقاته المشاعرية في التعبير عن الخوف مما يعتقد- بضم الياء- بعدم تسببه للإخافة؟؟
هل نستسلم للإعاقة التي تنجم جراء الاجتناب للمخيف؟؟
هل كل ما نخاف منه هو فعلا مخيف؟؟
هل تعبيرنا عن الخوف يوازي قوة ما نخاف.. أم أن أحدنا يستمرئ هذا الإحساس.. لمتعة ما.. ربما يشعرها؟؟
هل صحيح أن من خاف سلم؟؟!!..
وأي نوع من السلامة تلك؟؟ كيف نواجه خوفنا؟؟ كيف نجعل ما يخيف فعلا... لا يخيفنا؟؟
الماضي من أحداث جسام كتعرض أحدهم لعض الكلب أو إحداهن للاغتصاب.. هل تنحبس الأنفس في أحداث ماضية.. تجترها العقول كلما تذكرتها.. فتبعث في النفوس الآلام وفي الحلوق المرار.. على لبن مسكوب.. كل مرة.. تمر الذكرى؟؟!!
هل يعقل أن يحبس الواحد فينا نفسه في حدث أو أحداث ولت ومضت –لا نشك في ألمها ولا نشكك– ولكن ننعي مجترها بكونه يترك ذاته تخاف من ماض ولى وأدبر..
المستقبل من الأحداث التي تخيف.. خوفا من مجهول.. فهل يكتب الإنسان على نفسه أن يخاف قبل أن يقع ما يخيف؟؟ هل أصبح سنة عندنا... تقدير البلى قبل وقوعه.. والبكاء على المريض قبل وفاته!! تساؤلات وتساؤلات......
ومن ناحية أخرى.. يتبادر إلى الذهن.. التالي:
تحرك الخائف قوة عجيبة للتجنب.. فهل نضع فقها جديدا بحيث نخرج أناسا يخافون الجهل وما يجره من وبال.. فيقووا على طلب العلم.. أو يخافون الفقر فيقبلون على كسب الرزق؟؟
أو يخافون المرض.. فيحرصون على تجنب أسبابه من نظافة وغيره؟؟؟ أو يخافون الله... فيقبلون على ما يرضيه ويتجنبون غضبته..؟؟؟
هل نستغل قدرتنا على الخوف وتلذذنا به وركوننا له.. لنجعله محركا ومغيرا لواقعنا المأساوي؟؟
هل لو قلنا: أن لو لم نستفيق لما ينتظرنا من مهام لبناء أمتنا المنهارة سيحدث ما لا يحمد عقباه وسيكون الوبال يصب على الرؤوس وستضيع الحقوق وستكسر الأعناق وتراق الدماء ويفقد الأمن والأمان.. هل سيأتي اليوم ليكون خوفنا من هذا اليوم الافتراضي محركا للخائفين.. لفعل مختلف؟؟
ليتنا نفعل..
واقرأ أيضًا:
يوميات رحاب : النظارة حرام .. !! / يوميات رحاب: الصبر .. الجميل