بدأت الدراسة بالأمس.. بعد إجازة طويلة امتدت لخمسة وعشرين يومًا كان فيها البيت يضج بالحياة تخللتها رحلة الحج المثيرة.. وبالأمس فقط.. انطفأت هذه البهجة..
صحوت من نومي متثاقلة على غير عادتي.. تجولت في الغرف والردهات بحزن.. لا يوجد أحد غيري في المنزل.. ما أقسى الوحدة..
ذهبت إلى المطبخ.. أحاول أن أصنع أي شيء لإخوتي يخفف من ضجري.. مرت الساعات طويلة إلى أن جاء أصغرهم من المدرسة الثانوية.. جاء فرحًا مرحبًا يده ملأى بالحلوى.. وتدخل بيني وبين صمتي طالبًا مني أن أشرح له طريقة عمل (صوص المعكرونة) حتى يشارك في صنع الغداء.. تركني مهرولاً إلى برامج التلفاز المفضلة.. والتي تصيبني بالملل..
قررت أن أقضي وقتًا إضافيًا في المطبخ.. باذنجان.. لم لا أجرب حظي في صنعه.. لقد قالت لي أمي يجب أن تبدئي التدريب يا هدى فقد نسيت الطبخ.. نسيت؟؟ آه.. لقد نسيت كل شيء في حياتي..
وصلت أختي أخيرًا.. ومعها أخي الذي يكبرها.. كلٌ يروي أحداث يومه.. لقد استلمت نتيجة الفصل الأول وتمني نفسها بإحراز تقدم أفضل في الفصل الثاني لتتمكن من دخول الكلية التي تتمناها.. كيف سلمت على صديقاتها ومعلماتها اليوم.. ما الذي قالوه لها عن قصة شعرها الجديدة.. و..
مازال الصمت يحتويني..
وقفت ساعة أمام الزيت قبل أن أعترف لنفسي أني لا أعرف كيف أقلي الباذنجان.. حمدت الله أن أمي كانت قد طهت اللحم قبل أن تخرج في الصباح.. انهمكت في صنع طبق من سلطة الخضار قبل أن أتوجه كالآلة إلى السرير..قبل أن أغمض عيني حانت مني التفاتة إلى نافذتي الإليكترونية.. أزاحني الضيق عن مطالعتها..
الباب يفتح برفق.. إنها أمي الطيبة.. لقد عادت من عملها.. تقبلني.. تسألني كيف قضيت يومي.. تحكي لي عن أشياء.. قبل أن تكمل قصصها.. كان النوم قد أخذني بعيدًا..
كلما أوشكت أن أصحو نظرت للسرير الذي بجواري.. أختي نائمة.. ماذا عساي أن أفعل بمفردي؟؟
يا إلهي.. إنها الساعة السابعة / يجب أن أقوم لصلاة المغرب.. يا للضيق..
في ساحات المجمع السكني توجهت وحيدة إلى أن وصلت لمقهى الإنترنت النسائي الموجود في إحدى المجموعات القريبة.. كنت أمني نفسي بفتاة تشاركني همومي.. قابلتني (سما) بوجهها المشرق تحكي لي عن أحداث يومها الجامعي ورأي صديقاتها في لون شعرها الجديد..
ابتسمت لها مجاملة في ألم..
توجهت بصمت إلى أحد الأجهزة في الصالة التي لم يكن فيها سواي.. لا جديد..
مضى الوقت وأنا نائمة على ذراعي أطالع بعض لقطات من برنامج (ستار أكادمي) على الشاشة البعيدة.. تمنيت أن أجد من يتحدث معي.. وأخذني الخيال في غرفة مليئة بالأسرة والصديقات الذين يملئون حياتي ضجة.. لم أفق من أحلامي إلا على صوت إغلاق زر الكهرباء.. جعلني الظلام أهتف واقفة.. أنا هنا.. وألقيت بنفسي إلى الخارج.. إنها الساعة العاشرة.. السماء غارقة في الظلام.. وكأنها صورة لنفسي في تلك اللحظة..
ابن أخي الذي لم يكمل العامين يخرج من مكتبة مجاورة مع أخواله الصغار.. كل منهم يحمل دفاترًا وأقلامًا.. إنه اليوم الأول من المدرسة.. أنظر له بحب.. تمنعني كآبتي حتى من مناداته.. أكمل طريقي.. وقبل أن أغمض عيني لاستقبال اليوم الثاني من الكآبة هربت من بين أصابعي هذه الزفرات..
واقرأ أيضاً:
يوميات سحابة: أطرف المواقف في رحلة الحج. / يوميات سحابة رحلة مجنونة جدًا