بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين؛
المتحدثة إليكم من ركاب مترو الأنفاق شبه يومي.. وكل يوم أذهب أو آتي في وسيلة المواصلات هذه..
أعتبرها رحلة.. وهذا الاعتبار.. أستخدمه لكي يزيل عني بعض سخطي على العديد من سلبيات الأمور التي
اعتاد الناس عليها.. لست بصدد سرد السلبيات.. ولكني وفي كل مرة أركب فيها المترو تقفز إلى عقلي فكرة...
أبدأها بهذه التقدمة:
المترو -لمن لا يعرف- عدد 9 مقطورات متصلة بعضها ببعض.. تخرج من المحطة الأولى وتقف في كل محطة من عدد (30) محطة.. تقريبا نصف دقيقة ثم تنتهي للمحطة الأخيرة.. وعندما أركب من محطتي.. أنظر أولا على من ينتظر معي على نفس الرصيف وفي نفس الوقت.. أشكال وألوان من البشر.. وبعد قدوم القطار.. يركب منا من يركب ويتخلف من يتخلف لسبب أو لآخر.. ومن يركب يختار.. كل واحد عربة مختلفة..
ومن يركبن معي - حيث أركب عربة مخصصة للسيدات- أرصد على مدار الرحلة.. كل منهن تنزل في محطة... عندما يأتي وقتها.. عندما تأتي المرغوب بها... لا يتخلف أحد.. فيخرج من القطار.. ويدخل بدلا عنه آخر.. يستقل القطار لمحطتة الموعودة.. ومن الممكن أن ينزل بعض أفراد الأسرة الواحدة.. ويخلفون وراءهم أحدهم.. كبيرهم كان أو صغيرهم والشيء نفسه يحدث عند الركوب..
وكم من مرة يكون القطار فيها مجمعا لأصدقاء وموضعا للقاء.. بأناس ربما لم تكن ليجمعهم مكان سوى قدر ركوب العربة ذاتها.. وفي المترو أيضا تتجلى لحظات الفراق.. والعناق... وعلى أرض الرصيف.. ساق وساق.. والمترو وسيلة لكل المستويات الأغنياء والفقراء.. على حد سواء.. وفيه أيضا من يبيعون ويشترون.. من يضحكون ويبكون.. ويلعبون.. وفيه تقع الحوادث بين ساقط و مرتطم رأسه و محشورة يده في الباب!!
أخذت أنظر لمن حولي بهذا الشكل.. يمنة: فتاتان تتهامسان.. ففلان... قال لها.. أنه ولهان وأخرتان: تتعانفان ثم تختصمان... يا خسارة.. لم تتفقا!
يسرة: سيدة عجوز.. عبوس.. تشكي حالها.. وتنعي ما صار إليه مآلها.. فعيالها... آثروا الزوجات الحسان.. وتلك التي تداعب طفلا ليس طفلها.. ثم تذرف العبرة... فليس معها مثله... فتكون لغيرها عبرة من أولائك المهملات.. تاركات أطفالهن للويلات.. وتلك المتأففة.. فالمكان.. دوشة.. كتمة والسيدات رغايات... وأخرى.. مريضة.. تسعل وتسعل.. وعن مشفى رخيص تسأل..
وأختكم.. تهاتي.. يا جماعة.. افتحوا الشباك.. الميكروبات.. الفيروسات.. الغازات!! وهذه قارئة.. في كتابها منهمكة.. لا يرتفع رأسها.... أخاف أن تفوتها... محطة نزولها.. وهذه بائعة.. على بيعها منادية.. يا ست مش عايزين.. مستغنين... ترد : نفعوني.. تنفعوني.. عن مد اليدين تغنوني!!
تنزل الواحدة منهن تلو الأخرى.. فتصعد أخرى وأخرى..
وأظل أقول : المترو دا زي الحياة.. كل واحد منا في ملتهاه.. ولكن لكل منا محطة.. لا بد وأنه نازل فيها.. سيترك القطار بمن فيه.. ويذهب لحال سبيله.. ويترك الباقين.. غير حزانا عليه ولا باكين.. وفي طريقهم - في المترو.. في الحياة- باقين... إلى حين.. ويصعد غيرنا.. حيال نزولنا.. ليستكملوا المسيرة.. وهكذا.. نستمر.. حتى محطتنا الأخيرة..
أفقت من غفلتي.. فوجدتني.. قد... فاتت.. محطتي..!!
نظرت بابتسامة.. فمرادي السابق.. فاتني.... والقدر قد ساقني.. وأنا أقول: لا ندامة..
فالسائق هو الله.. ويتربع في القلب.. يقين.. بقضائه ومقتضاه..
إذن.. لا فوات... فالخير فيما هو آت.... لا..على ما فات..
مودتي
واقرأ أيضًا:
يوميات رحاب: مخاض بلا ولادة / يوميات رحاب: النطق بالشهادة!