أشار مفتي مجانين الأستاذ مسعود صبري في رسالته الموجهة لي ومعها ملف ملحق يحوي إجابته البحث عن الحلال في ركام الحرام، أشار إلى ملاحظة مهمة تسترعي أن نتأملها سويا، تلك الملاحظة هي أن كثيرين ممن يرسلون استشاراتهم إلى مجانين يسألوننا عن الرأي الشرعي فرغم أن شعار الموقع هو الصحة النفسية للجميع فإن معظم من يستشيرنا في الأمور النفسية الاجتماعية يسأل عن حكم الشرع، ولعل هذا هو ما كنت أعرفه منذ بدأت العمل في صفحة مشاكل وحلول للشباب أي قبل انطلاق مجانين، لكنني على مجانين وجدت أمرًا مختلفا بعض الشيء هو ما يشير إليه مسعود فبعض الأسئلة هي طلب فتوى، مثلا: الماء والنساء: الجنس والزواج، السفر دون محرم: فتوى معاصرة، الخوف من محرمات الزواج، سنن الفطرة: التعامل مع الشعر!، الخوف من الجماع خشية الحيض، فتوى مجانين: في وسواس الطهارة، دوران الأرض والبيت المعمور، حلق الشعر للزواج..لا بأس وشاور،
فهذه كلها استشاراتٌ يسأل أصحابها أصلا عن حكم الشرع، وأعراضهم أعراض نفسية غالبا، ولذلك ينصح مسعود بأن ننشئ قسما للفتوى على مجانين، ورغم أنني قرأت الأسئلة قبل اختيار الأستاذ مسعود صبري لأكلفه بالإجابة عليها متطوعا لوجه الله عز وجل، فقد وجدتها أسئلة فقهية أكثر منها أسئلة تحتاج طبيبا نفسيا، أو هي تحتاج طبيبا نفسيا يمتلك القدرة على التفكير بعقل فقيه، أو فقيه يستطيع التفكير بعقل مشتغل بالصحة النفسية الاجتماعية، وهنا أجد مناسبة لطرح السؤال الذي طرحته أكثر من مرةٍ على مستشارينا في اجتماعاتنا الدورية في إسلام أون لاين وهو:
إذا كنت كطبيب نفسي اعلم جيدا أن كثيرا من الأسئلة التي يسألها المريض المسلم لطبيبه النفسي عندما تتعلق أعراضه بأمور دينه أو عندما يراها المريض كذلك هي أسئلة توجد مع الاضطراب النفسي المعين الذي أعرف أنا أنه كان موجودا منذ وجد بني آدم فأين كانت تذهبُ أسئلة المرضى المسلمين قبل ذلك أي قبل ظهور الطبيب النفسي بكيانه الحالي في مجتمعاتنا؟؟ لا شك أنها كانت تذهبُ للفقيه أو للشيخ الأقرب من مكان المريض، أو للحكيم المشتغل بالطب والفقه بنفس الوقت، هذا الذي لا أرى إمكانية لغيره ليفلح في تقديم علاج كامل لمريض نفسي مسلم، إضافة إلى أننا لو قرأنا كمشتغلين اليوم بالاستشارات النفسية الاجتماعية ما كان يرد به قدماء الفقهاء لوجدنا خيرا كثيرا يفيدنا في العلاج المعرفي للمرضى المسلمين، خاصة وأننا أصبحنا الآن أكثر إيمانا واقتناعا بأن فقهاؤنا لم يكونوا أقل علمية من حكماء الغرب، بل كانوا أقرب إلى فطرة الناس وطبيعتهم ودينهم.
لا أحسب أن الحل الصحيح هو إنشاء قسم للفتوى على غرار الكائن بالفعل في إسلام أون لاين وفي كثير من المواقع وذلك لأن مجانين كموقع الصحة النفسية للجميع ينادي نداء مختلفا هو أن على كل من المشتغلين بالأمور النفسية الاجتماعية والحاصلين على درجات علمية فيها إن أرادوا الخير لأنفسهم ولمجتمعاتهم عليهم أن يجتهدوا في دراسة ما يستطيعون الوصول إليه من علوم الشرع والفقه، وأنا أعرف أنهم سيكتشفون عجبا مثلما حدث معي ومع أخي الأكبر الدكتور محمد شريف سالم وأيضًا الدكتور محمد المهدي، ولعلني أشرت لذلك في عديد من الإجابات وأذكر منها الصدمة النفسية واضطراب الإنية مشاركة.
كذلك أهيب بمن يستطيع من إخواننا المشتغلين بعلوم الفقه والحديث أن يجتهدوا في قراءة المتاح من منتجات العلوم الغربية الحديثة، وأسأل الله أن يتيح لهم من يقدم لهم تلك المنتجات باللغة العربية السليمة التي أسأل الله أن يحفظها لنا، كما كنا أشرت من قبل في ردي القديم على صفحة مشاكل وحلول للشباب عن الوسواس والحسد واللغة العربية، وأحسب أن العمل المشترك بين المشتغلين بالقضايا النفسية الاجتماعية من كل تخصص نفسي أو طب نفسي أو اجتماعي أو تربوي.. إلخ..، والمشتغلين بالأمور الفقهية هو أحد أهم ما تحتاج إليه أمتنا اليوم من احتياجات، وما أفقه مفتي مجانين وهو يلقي فكرة الدعوة إلى تأسيس علم الفقه الاجتماعي التي أدعوه أن يكتب لنا عنها هنا على مجانين وأقول له "عليك الحمل كله" جزاك الله خيرا وأنت قسم الفتوى على مجانين بل نطلب منك أن تزيدنا فقها علنا نفيدك ببعض ما لدينا من العلوم المستوردة.
أحتاج إلى أن أكمل مدونة لمجانين لكن مشكلتي الآن أنني لابد أن أترك الجهاز وأنزل لأن د. ---------- محمد البكري، شاب صغير دكتور تحاليل، في أواخر العشرينات ربما.... قعد مكان والده الدكتور محمد البكري رحمه الله والذي كان أستاذ كيمياء حيوية في كلية الطب عندما درس لي وأنا طالب طب، وكان مشهودا له بالشجاعة والنزاهة والخلق الطيب القويم فضلا عن تمكنه من علمه رحمة الله عليه، المهم قعد المرحوم الصغير يحقق حلم والده، والذي يبدو أنه لم يكن يختلف عن حلمه هو شخصيا، لأنه كان راضي، فأنا رغم أنني لا أعرفه ولم أره، فقط شاهدت لافتة على بناية في طريق مسيري إلى عيادتي ولمجانيني، تشير إلى معمل الدكتور محمد البكري للتحاليل الطبية، عرفت أنه كان راضي؟ لأنني لم أسمع عنه ما يشينُ ولأنه جاءه الأجل وهو يصلي العشاء في مسجدٍ أسمع من عيادتي وأنا أمام الجهاز صلواته الطويلة، وكثيرا ما أكون صليت وربما أدخلت أحد مرضاي وذلك المسجد ما زال قاصدوه يصلون، الدكتور الشاب كان يصلي العشاء فيه كل يوم، الله يرحمه، فهل رحمة وتكريم أسمى من ميتة كهذه يجد من يسمع بها في هذه الأيام بالذات، وأنا أحدثك من قابلت وأجد ردة الفعل حزنا مصحوبا بـ الله كم اختار الله له ميتة جميلة، لابد أنه قريب من الله، فهل يكونُ دليل على الرضا أوجهَ من القرب من الله،أنا شخصيا لست حزينا لكن أشعر أن خيرا في أمتنا كثيرا ما يزال والحمد لله، وذكر الموت خير للمسلم إذا قدَّرَ ودبر كيف يستغله في إصلاح أحواله، البقاء لله، وأترككم لأداء واجب العزاء.
واقرأ أيضًا على مجانين:
يوميات مجانين: على مشارف الوسوسة/ يوميات مجانين: في الطريق إلى رأس سدر