الكثيرون يصيبهم القلق من كلمة (التغيير).. بغض النظر إن كان للأفضل أم للأسوأ.. وتجدهم يتفاخرون بأنهم لم يتغيروا منذ سنوات وسنين وات..
البعض يفضلون عدم التغيير لمجرد التعود وعشقهم للروتين والخوف من أي جديد طارئ على الحياة.. وعندما سألناهم ماذا لو جاء التغيير خارجيًا طارئًا ماذا ستفعلون؟؟
منهم من قال: سنحاول التأقلم وقتها.. ولاذ بالصمت الباقون..
وقد تعذَّر أعداء التغيير بنظرة المجتمع لهم.. المجتمع الذي يقلق من أي شيء جديد.. وضربت لي إحدى الصديقات مثلاً:
فلان الذي قرر أن يتغير وسافر بعيدًا ليعود إنسانًا مختلفًا.. ولم يتوقف الناس عن الحديث عنه..
تسائلت: هل تغير للأفضل ؟؟ قالت: نعم
إذن، هل هو سعيد؟؟ _ بالطبع، جدًا
صحت باستنكار: فما المشكلة إذن؟؟
قالت بتردد: إنه الخوف من مجرد التغيير..
ألحت عليَّ هذه الفكرة بعد موقف حدث لي منذ أسابيع.. دعوني أرويها لكم..
... كنت بحاجة إلى شراء عدسات لاصقة فقد انتهت المهلة التي لدي.. وذهبت يومها إلى الكوافير منذ الصباح ومرَّ الوقت سريعًا ولم تعد لدي إلا دقائق كي أعود إلى البيت وأتجهز لأتوجه إلى معهد اللغة الذي أدرس به.. وحتى لا أضيع الوقت قلت لأخي الذي أتى لاصطحابي إلى البيت: سأصعد لأرتدي ملابسي وفي هذا الوقت خذ هذا الكشف واحضر لي عدسات على هذه الدرجة وسأنزل لك حالاً..
وبسرعة تم الأمر.. وكان يجب أن ارتدي العدسات في السيارة فلا وقت.. رفعت النظارة بكل ثقة وارتديت العدسات التي اطمئنيت أني أرى بها جيدًا، هذا دليل أن درجتها مضبوطة.. ولم يكن هناك أي مجال للنظر في المرآة خصوصًا وأن محلول العدسة قد انسكب على عبائتي وانشغلت بتجفيفه..
وجدتني وقد استقبلني الجميع بابتسامات واسعة.. ابتداء من موظفات الأمن إلى السكرتارية وبعض صديقاتي من مستويات أخرى.. هرولت إلى فصلي وقد تأخرت ثلاث دقائق.. استأذنت ودخلت.. وما أن استسلمت في مقعدي ورفعت عبائتي وحجابي حتى انتبهت لعيون زميلاتي تحملق في.. ونفس الابتسامة الغريبة تطل منها وكأنهن قد رأين شيئًا لايسكت عنه !!!!..
نظرت إلى جسمي بخوف ومن وراء المكتب تأكدت أنني لم أنس ارتداء شيء.. لوني الحذاء متشابهين.. امتدت يدي أتحسس شعري بحذر.. تخيلت أن مخلوقًا غريبًا يطل من رأسي.. لم يخرجني من توهماتي إلا صوت المعلمة تسألني.. وحاولت أن أندمج.. وكدت أن أنسى.. ولكن.
لم تتحمل زميلتي التي تجاورني الوضع.. وجدتها تميل عليَّ هامسة: " أحلى يابرتقالي" !!!!!!
تسمرت في مكاني.. ودقت الساعة معلنة عن عشر دقائق فسحة لأداء الصلاة..
همست لنفسي في فزع "أي برتقالي الذي تتحدث عنه.. ملابسي بيضاء وزيتية.. ولم أضع أي مساحيق في وجهي اليوم ؟؟؟؟ .."
صرخات زميلاتي حولي هي التي نبهتني إلى الفاجعة.. نعم.. عدسات برتقالية.. إنني أرتدي عدسات برتقالية محددة باللون الرمادي.. كدت أن أبكي وأصوات ضحكاتهن ترتفع بجنون وكل منهن تبرعت بإعطائي مرآة أرى فيها "اللوك الجديد" غير مصدقات أني ارتديتها على أنها (شفافة)..
وصرت وعدساتي قصة يتندرن بها ذلك اليوم.. وتسمرت أطالع في المرآة غير مصدقة لما يجري.. إنها ليست أنا.. عيناك برتقالية ياهدى؟؟ يا إلهي.. يبدو أنني أحلم..
بقيت كما أنا.. واعتاد صديقاتي شكلي الجديد..
وفاجأتني إحداهن قائلة بعد ذلك:
العدسات هذي أحلى من التانية
التانية الي هي ايه بالزبط حضرتك ؟
الخضرا الي كنتي أمس لابساها
انفجرت في الضحك قائلة:كلك ذوق والله
فلم أكن لبست عدسة خضراء في حياتي ولون عيني الحقيقي بني.. وعدستي برتقالية فمن أين جاء الأخضر لا أدري:
الذي حصل أن التغير أصبح واردًا
وفي أول اجتماع عائلي سألت أختي الكبرى وعمتي وصديقة أمي عن الذي تغير في شكلي.. وقفوا ثلاثتهم يتأملون فيَّ ثم كانت النتيجة كالتالي: لقد قمتِ بتركيب رموش اصطناعية !!!!!!
هتفت غير مصدقة: وعيني البرتقالية.. ألا ترونها ؟؟
وبعد اندهاشات وتدقيق أكثر دار رأسي وأنا أسمع التعليقات:
- دي عدسة؟ أمال لون عينك كان ايه؟
- والله ياجماعة انا عمري مبصيت في عينها
- مفيش عدسات ولا حاجة، التغير في الرموش صدقوني!
تأملت في ردود الناس المتباينة.. على تغيير بسيط جدًا في تفاصيل صغيرة في حياة إنسان عادي.. وعليه نقيس دائرة التغيير الكبيرة..
إن كنا نخشى التغيير لردود فعل الناس..
فمن سابع المستحيلات أن يتفق الناس على شيء واحد.. لأنهم ببساطة مختلفون..
والحياة تمضي ويصبح الغريب قريبًا مع الزمن فممَّ الخوف ؟؟
أصبحت كلما انتابني هاجس القلق من التغيير اتذكر عدساتي .. فمازلت البرتقالة في عيني ومازلت أذهب للمعهد وأرى صديقاتي كل يوم.. نضحك ونتعلم ونخرج سويًا.. وأصبح الموضوع طبيعيًا جدًا..
كل شيء حولنا يتغير..
فلماذا لانبدأ نحن بالتغير..
لماذا لا أمضي للتغيير إلى الأفضل.. أدرس شيئًا جديدًا، أغامر في مجال عمل مختلف، أتخلص من كل عاداتي السيئة والسلبية، أدخل النظام في حياتي، أقاطع الروتين، وأمزج حياتي بالبهجة والجنون الصحي ؟؟
صدقوني.. لا تدعو الوقت يمر في انتظار فرص النجاح التي ربما لن تأتي.. لنذهب نحن لها.. لنحطم سويًا كل القيود التي تعرقلنا ولنبدأ.. فللتغيير طعم آخر..
واقرأ أيضاً:
يوميات سحابة رحلة مجنونة جدًا / يوميات سحابة: لقطات من سحابة