مثلها مثل كل أدوية الأمراض المزمنة.... لكنها وحدها مظلومة!
كذبة كبيرة اسمها "إياك من الأدوية النفسية!"
نسمع ذلك من مرضانا ومن زملائنا الأطباء في التخصصات المختلفة بالرغم من كل ما يسمعونه ويشاهدونَهُ من تحسنٍ كبير لحالات المرضى حين يستكملون العلاج !، فمن الأفكار الشائعة أنه لا فائدة من الأدوية النفسية، مشكلتك أنت تحلها أنت، إنما الأدوية النفسية مسكنات أو مهدئات إن لم تضر أو تسبب الإدمان فلن تنفع.
وهذا الاعتقاد ربما جاء نتيجة ما اعتاده بعض الناس من الاستجابة السريعة عند استخدام بعض الأدوية (غير النفسية). ولكن الحال يختلف عند استخدام الأدوية النفسية، فالأثر الفعال لبعضها لا يظهر إلا بعد فترة مثلا من أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الانتظام عليها في حالة الاكتئاب، وربما بعد أكثر من ذلك، وكذلك فإن تحسن المريض وحتى شفاءه التام ليس معناه إيقاف الدواء، بل يجب عليه الاستمرار فيه حتى يوقفه الطبيب وذلك بطريقة تدريجية ربما تمتد لعدة أشهر،
وليس معنى ذلك أن المريض قد أصبح مدمناً على ذلك الدواء، ولكن هذه هي طبيعة الأمراض النفسية وعقاقيرها.
والحقيقة أن الأمراض النفسية كغيرها من الأمراض في التخصصات الأخرى، من المرضى من يستجيب للعلاج استجابة كاملة، ومنهم من لا يستجيب للعلاج مطلقاً، ومنهم من يستجيب جزئياً، لأن العلاج فعال في نسبة معينة من المرضى والكلام هنا ينطبق على المضادات الحيوية وعلى غيرها.
فمن الأمراض النفسية ما تتحكم به الأدوية النفسية فقط دون أنْ يُشفى المريض تماماً، كما هو الحال في بعض الأمراض العضوية المزمنة كالضغط والسكري. ولذلك فإنه إذا ما أراد المريض أنْ تبقى حالته مستقرة فيجب عليه أنْ يستمر في العلاج فترة طويلة من حياته.
ولعل تقصير الطبيب النفسي في توضيح تلك الأمور لمريضه في أول لقاء بينهما يؤدي إلى انقطاع المريض عن تناول الدواء لأتفهِ الأسباب، خصوصاً وأن أهل المريض وذويه ليسوا في العادة أحسن حالاً من المريض فيما يتعلق بموقفهم من الأمراض النفسية وأدويتها .
والذي لا يلتفت إليه أحد أن الأمراض النفسية مثلها مثل كل الأمراض المزمنة وهي كل أمراض الباطنة تقريبًا عدا العدوى، كلها تحتاج علاجا يدوم العمر، بالرغم من ذلك كله لم نسمع من يتهم أدوية الضغط مثلا بأنها مسكنات!!
وأذهب أبعد من ذلك لأقول أن معظم حالات الذهان الحادة وهي من أكثر حالات الذهان عرضا على الأطباء النفسيين في بلادنا يحتاج المريض فيها إلى عدة أشهر من العلاج فقط ثم يسحبه الطبيب ويستأنف المريض حياته بعد ذلك صحيحا بكل معنى الكلمة.
وأشير في النهاية هنا إلى أنَّ منظمة الصحة العالمية وضعت عقار الكلوربرومازين وهو أول ما اكتشف من مضادات الذهان ليكون ترتيبُه ثاني أعظم اكتشاف في تاريخ الطب الحديث بعد عقَّار البنسلين مباشرةً وغنيٌ عن التعريف أن البنسلين أول مضاد حيوي يكتشف.
اقرأ أيضاً على مجانين:
يوميات مجانين: سمك... زعل.. آه يا أبو هندي / منمنمات مجنونة تعرفي أكتر من المستر يا ماما؟