المطواة، نعم تذكرتها، كانت الوحيدة من بين من أعالجهن من آثار التحرش الجنسي التي لم تكتفي بالقاطع (الكاتر) في حقيبة يدها، بل كانت تحمل مطواة قرن غزال صغيرة، لماذا؟ لكي تكونَ مستعدة لحماية نفسها من الرجل أي رجل يحاول انتهاك حرمة جسدها، ياه كنت أراها تبالغ مبالغة مرضية هي ومثيلاتها وكأن ما يفعلنه رد فعل لمرضٍ نفسي نشأ عن ظروف خاصة، لا يصح تعميمها، هه ... لكنني الآن أقول لا والله عندها حق!
قد تكونُ ظاهرة التحرش الجنسي في المواصلات التي كتبنا عنها على مجانين وفي الدستور مهما بلغت فظاعتها ظاهرة تحدثُ في الستر يفعلها المجرم وهو يخاف من عيون الناس والشرطة كرمز للقانون، ولكن ما حدث يوم الأربعاء الأسود أمرٌ آخر، فقد تحولت الشرطة من مصدر تهديد للمتحرشين في الظلام إلى مصدر تحريض لهم تحرشوا في النهار ونحن معكم نرى ونسمع، تخيلوا أننا نقول للبلطجي فرصة برطع كما تشاء!
والمشكلة أن ما حدث ووصف بأنه كان تحت بصر وسمع الشرطة، ليس من الممكن تكذيبه لأنه مسجل بالصور والفيديو، فلواءات وما دون من الشرطجية واقفون وبلطجية ينقضون على المتظاهرين، وأحد الضحايا الذين ضربوا يحكي ويقول نادينا ممثلي الشرطة فتجاهلونا حتى أخذنا نصيبنا تمام وعندما تقدمت الشرطة أتت لتقبض علينا لا على البلطجية!! صح جدا على نفسها جنت لأنها قالت كفاية وكفاية كلمة "عيب" "الظاهر كده".
أتذكر أيام كنت طالبا في سنوات الطب النهائية وخرجنا في مظاهرة متعاطفين مع الشهيد سليمان خاطر، كنا طلابا وطالبات نحاول الخروج من الجامعة متظاهرين ولم يكن مسموحا طبعا بخروجنا في مجموعات وبالتالي تفرقنا وخرجنا كل بمفرده وكان موعد اللقاء الثانية عشر ظهر السبت 11/1/1986 أمام مقر الحزب الوطني، المهم أننا أولا لم نجد التفاعل المنتظر من الناس ولا أنسى الدلوعتين التي رأيتهما وسمعتهما هي تقول لصاحبتها "كل ده عشان سوسو؟" وترد "سوسو مين؟"، أحبطني ذلك لكنني لم أعش إحباطي طويلا فقد فوجئنا برجال لا يرتدون زي عساكر الأمن المركزي وإنما فانلات سوداء تبرز العضلات بشكل مستفز، وبنطلونات سود وأحزمة من النوع الغليظ وفي يد كلِّ منهم عصا يعني بدوا كالثيران السوداء، كنا حوالي 250 طالب وطالبة معظمنا من طب بشري وصيدلة وحقوق وعلوم وكان أصحاب الزي الأسود حوالي خمسين، أما نحن فعينك ما تشوف إلا النور لكنني كنت محظوظا حيث حالت سيارة بيني وبين الثور الذي تقدم ناحيتي جريت لأقف مع جموع المتفرجين على جانب الطريق بمحاذاة شاطئ بحر مويس وهالني ما رأيت: البنات زميلاتنا لم يسكتن عن الصياح ووقفن هناك أمام مبنى الحزب الذي منعنا من الوصول إليه،... لا لا لا لا لا ما هذا لقد كانت أيدي الثيران السوداء تمتد لهن لقد حملوا اثنتين من زميلاتنا... ما هذا إن أحدهم يحمل..... من جيبتها ويتركها لتسقط على الأرض، وهذه هي الدكتورة.... يا نهار أسود لقد مزقوا بلوزتها.....، أيامها وصفت ما حدث من الأمن ومن الناس الذين اعتبرتهم تخلوا عنا فكان مما قلت:
لماذا لماذا ؟
أمانا... خرجنا نريد الأمانْ! خرجنا ..نعزُّ الزمانَ المهانْ
فكلبٌ لنهشٍ أتى باسم أمْنٍ وكلبٌ جرى باسم شعبٍ جبانْ
لأنا خرجنا طوالاً عِراضًا شدادَ الصياحِ ضعافَ الكيانْ
لماذا لماذا؟؟ لماذا لماذا؟؟ لأني جبان.. وأنت... جبان
ما علينا أردت فقط أن أقول أن الفرق الخاصة قديما كانت تقوم بما يشبه ما قام به البلطجية يوم الأربعاء الأسود، ولكن لأننا في زمان الديمقراطية وقلق حقوق الإنسان وما يسببه للحكومات من صداع، فقد قررت الحكومة تأجيل الفرق الخاصة مع أن صحتهم حديد ما شاء الله، واستخدمت هذه المرة مجموعة البلطجية باعتبارهم لا صاحب لهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هل يعني ما حدث يوم الأربعاء الأسود أن علينا كعاقلين أن نزود بناتنا ونساءنا بمطاوي قرن غزال من الحجم البناتي أو بأمواس ليحمين أنفسهن فربما تكعبلت إحداهن في مظاهرة تائهة هنا ولا هناك، ويكون البلطجية المحرضين والمؤَمَّنين حاضرين للمشهد؟
فكرت أن أتصل بمريضاتي السابقات، وكنت قد أقنعتهن جميعهن بعد العلاج بعدم حمل الأسلحة حتى أنني كنت آخذ الأسلحة منهن ضمانا لاكتمال العلاج وها هي المطواة لا تزال في درجي!
اقرأ أيضاً:
تعرفي أكثر من المستر يا ماما/ منمنمات مجانين: ريقي ناشف