صادفت نوعية من الناس غريبة بحكم عملي كطبيبة.. فمن العاهرة إلى الشاذ جنسيا إلى مريض الاستعراء.. ولا أعرف ماذا سيكون حكمي عليهم إذا ما كنت لست بطبيبة.. أو قبل ما أكون طبيبة؟؟
أول من صادفت هو الاستعرائي شاب في الأربعين وكنت ساعتها أتمرن في عيادة الطب النفسي في كلية الطب -حيث كان هذا التخصص مبتغاي قبل ما تحول الظروف بيني وبينه- شرح لي ظروفه ووضعه وملابسات الحالة التي تنتابه وشعوره قبل وأثناء وبعد ارتكابه للاستعراء.. وكيف قبع 3 سنوات بين العلاج الدوائي والجلسات النفسية الفردية والجماعية من غير تحسن..
لم أوجه له لوما ساعتها.. لا أدري لماذا؟؟ ألأننا في غرفة علاج نفسي؟؟ وأن الرجل جاء على مدار ال3 سنوات طالبا علاج؟؟ فنمى إلى ذهني كونه غير راض بما عليه حاله..؟؟
واكتفيت بالاستماع إليه ولما فاض فاه من كلمات وأنّات وتأوهات.. فهو ضائق.. مخنوق، يشعر بحقارة ما يفعل ووضاعته وفي نفس الوقت لا يعرف لماذا يضعف ويقع في هكذا جرم؟؟
الحقيقة لم أدر ماذا أقول له.. وزاد جهلي بما ينبغي أن أقول بسؤاله لي: هل أنا مريض ينبغي علاجه؟؟ أم أنني مذنب آثم يعي عقلي كل تصرفاتي يرضى الله عني إن أنا تبت؟؟
ترددت في الإجابة.. استشعرت من سؤاله غرض ما.. فلو قلت له أنت مريض ممكن يسوق فيها بقة!! ولو قلت له أنه آثم مذنب فسوف يتعاظم عنده الشعور بالذنب يقصيه هذا عن التماس العلاج.. يا رب ماذا عليّ أن أفعل؟؟ قلت له بفضل الله: انظر يا فلان.
دوما تنعدم الإجابةالواضحة الفاصلة القاسمة للأسئلة الهامة وفي نفس وقت انعدامها تزول أهمية الحصول عليها.. فماذا ينفعك علمك أو جهلك بالإجابة؟؟ نحن الآن في صدد تلقيك لمختلف أنواع العلاجات النفسية وتختلط مشاعرك بين السلب والإيجاب ولم تجبر قدميك على المجيء لطلب العلاج، فلو كنت مريض فأنت في نظرنا تتداوى وإن كنت مذنب فالله يعلم بما يحتويه قلبك من شعور رافض لما تصنع.. هذا بالنسبة للاستعرائي.
أما بالنسبة للشاذ فحكايته قاسية تتلخص بكونه كان يمارس الشذوذ مع أحدهم وكانا يتناولا الخمر والمخدرات سويا.. ولما استيقظ الأول وجد الثاني قد مارس معه عنفا وغصبا فأخذ المسدس منه وأطلق عليه النار.. رأيته وهو في محبسه بتهمه القتل.. مأساة.. لم أكن ساعتها طبيبة نفسية ولكني تخصصت فرعا آخر من الطب، ولكني دوما ما أهتم بالجانب النفسي لمرضاي.. واستمعت إليه باستفاضة.. ونقل لي شعوره سابقا ولاحقا وندمه على فعلته.. وكيف أنه قد سيق لمثل هذا الوضع المهين المشين.. وكيف أنه يتمنى لو أن ذلك لم يحدث.. وكيف أنه يتوق للنقاء والصفاء ولمشابهة الناس الأسوياء.
كل هذا جعل السؤال ذاته يتكرر في ذهني.. مريض ولا مذنب؟؟ ولا خليط بين وبين.. وهل يصح السؤال أصلا؟؟ أم أن ليس لنا دخلا فيه.. وما علينا كأطباء إلا أن نعالج ما يشتكي منه المريض؟؟
أعرف من الأطباء من يتخذ من الشواذ جنسيا أمرا طبيعيا يعود لما يألفه أحدهم ويمتزج ورغبته.. ويرفض مجرد أن يطلق عليه اسم مريض بل ولو أتاه عيادته رفض علاجه وقال له يا بني أنت طبيعي..!!!!!
ولكن الأمر بالنسبة لي مازال مبهما.. ولأول مرة أزهد في زوال هذا الإبهام.. لكوني أرتاح إلى كون من سأل الله أمرا أعطاه فمن سأل دواء.. واستشفاء.. كان حقا على الله أن يشفيه، ومن سأل هداية وانصلاحا... كان حفيا بالله أن يهديه.. ومن سألهما معا.. شفاه الله وهداه.
مودتي
واقرأ أيضًا:
يوميات رحاب الحب وسنينه / يوميات رحاب: الحجاب في التلفاز