(صور-12) رحلتي مع الكتابة-1
عشت حلم الكتابة منذ الطفولة..
منذ عشت حلم أن أكون مثل عمي الأصغر "عبد الرحمن" الذي كان مهندسا وشاعرا ورساما وعازفا للموسيقى، ومنذ عشت حلم أن أكون مثل الكاتب الصحفي "أنيس منصور" الذي قرأت مرة في أحد أعداد مجلة "ميكي" أنه بدأ تكوين مكتبته بحمولة عربة كارو، وأن مكتبته وصلت إلى 27 ألف كتاب، وبدأت ممارسة حلم الكتابة قبل ذلك وبالتحديد منذ أن شجعتني كبرى شقيقاتي "آيات" على الإمساك بالقلم وكتابة قصصي التي أتخيلها وأنا ألعب، لكنني لم آخذ "القلم" محمل الجد ولو على سبيل الهواية قبل المرحلة الإعدادية من التعليم، فحينها بدأت اتخذ لنفسي "كشكولا" أدون فيه خواطري في كلمات قصيرة وسطور قليلة تشبه ما كنت أجمعه من قصاصات تحمل ما كان يرد في صفحة "الأهرام" الأخيرة تحت عنوان "من غير عنوان" من حكم وأمثال وأقوال موجزة تحمل من خلاصات الفكر والتجربة شعرا أو نثرا،
وفي تلك المرحلة بدأت أيضا محاولاتي الفاشلة في كتابة الشعر تقليدا ربما لعمي، لكنني لم أصبر على لأواء كتابة الشعر كثيرا ربما عندما أدركت أنها تحتاج إلى قراءة الكثير من الدواوين ودراسة العروض، إضافة إلى الملكة الشعرية والأذن الموسيقية، وإذا كانت بذور الملكة والأذن موجودة، إلا أنني لم أكمل مسير القراءة والدراسة المطلوبين، فكان أن توقفت عن محاولات الكتابة الشعرية، وفي مرحلتي الثانوية انصرفت إلى قراءة القصة القصيرة ومحاولات كتابتها، وهنا أكثرت من قراءة الدراسات حول فن كتابتها وتاريخها، وقرأت بعض القصص والروايات وكتبت بعضا منها فكتبت حوالي 3 قصص عزمت أن أدخل بها مسابقة القصة القصيرة في نادي القصة بالقاهرة، فجمعتها على الآلة الكاتبة وسألت عن النادي الذي كان يرأسه حين ذاك الكاتب "ثروت أباظة" حتى وصلت إليه وسددت رسوم الاشتراك وظللت أنتظر وأنتظر أن يقول لي أحد شيئا عن قصصي تلك دون جدوى، وخلال تلك المرحلة أيضا عشت حلم الكاتب الصحفي مرة أخرى بشكل أقوى مع قراءتي لتاريخ جريدة أخبار اليوم لـ"مي شاهين"، وقراءتي لتاريخ حياة أشهر التواءم الصحفية "مصطفى وعلي أمين" مؤسسي أخبار اليوم في كتاب السيد شوشة، وقراءتي لتاريخ الصحافة المصرية لعبد اللطيف حمزة، ومن ثم حلمت بالدراسة في كلية الإعلام لأصبح صحفيا ومن ثم كاتبا.
وبنهاية المرحلة الثانوية ودخولي كلية الطب مدفوعا برغبة أمي وتأييد أسري وعائلي لها، ومنذ أن طرأ علي متغير التدين الذي عرفته مصر حقبة السبعينيات تحولت تحولا كليا مدة عامين أو ثلاثة عن قراءة الأدب وكأنه رجس من عمل الشيطان، لكنني عدت بعد ذلك إلى ممارسة عادة الكتابة، فاتخذت منذ نوفمبر عام 1981 كشكولا جديدا بدأت أسطر فيه خواطري ومقالاتي وبعض القطع الأدبية التي دونتها فترة دراستي الجامعية وأسميت هذا الكشكول "ثمار الفكر وخواطر النفس" وحملت خواطري التي بلغت 68 خاطرة عنوانا تخيلته عنوان عامود صحفي بعنوان "صور" بدأته بتلك السطور:
" عجيب هذا الإنسان، عجيبة هذه الدنيا.. عجيب هذا الإنسان يجري وراء الدنيا فتصفعه.. فتأخذه العزة بنفسه فيعطي ظهره للدنيا، وما يلبث أن ينسى ألم الصفعة وينسى اعتزازه بنفسه فيدور ليجري وراء الدنيا مرة أخرى، وعجيبة هذه الدنيا فرغم إدراك الإنسان لانتهائها ورغم أنها تصفع الإنسان من حين لآخر فهي تزدان له، وما يكاد الإنسان يصفع على خده الأيمن حتى يدير الأيسر، ولا يفيق من سحرها الأخاذ إلا على حافة القبر.. تصفع الدنيا الإنسان عندما يصدم في حبه الخيالي، تصفعه عندما يدور حول نفسه فلا يجد صديقا حقيقيا يبث له آلامه وآماله..صديق يرتاح إليه، عندما يجد كل الأصدقاء ينفضون من حوله.. عندما لا يجد صديقا يخلص له النصح، وكثيرا ما يعزم الإنسان على أن ينفرد بنفسه، وأن يكتفي بالمشي دون الجري، ولكن الناس وهم زبانية الدنيا لا يتركونه وحاله بل لابد أن يناوشوا الإنسان أدركوا ذلك أم لم يدركوا، فما يلبث الإنسان أن ينشغل بالناس، ولا تتركه نفسه أيضا فتقول له نفسه: نقسم الدنيا نصين وغمض عين وفتح التانية.. فما يلبث الإنسان أن يغمض كلتا عينيه، ثم يضع ذيله في أسنانه وهات يا جري وراء الدنيا..وتدور رأسي وتلف من هذا الإنسان وهذه الدنيا"
كانت تلك كلماتي الأولى في كشكولي الجديد افتتحت بها مسيرة كتاباتي في بدايات مرحلة النضج بعدما جاوزت سني العشرين بقليل..أختتم بها مقالي الأول في رحلتي مع الكتابة.
ويتبع >>>>: (صور-14) رحلتي مع الكتابة-3
اقرأ أيضاً:
قافلة العمل الخيري الجديد..حدوتة مصرية / وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا