كم آلمني ما سمعت من مريضتي وهي تسرد لي تاريخا طويلا أسود من التحرشات الجنسية التي تعرضت لها على مدى سني حياتها، فبداية من الجيران صغارا وكبارا ومرورا باثنين من إخوانها الذكور، وأقربائها في قريتهم الصغيرة التي كانت تزورها في العطلات، تاريخ طويل بحق لكنني استوقفني مشهدان معرفيان علقا معي وفكرت بهما طويلا:
الأول هو زوج الأخت الكبرى وهو تاجر كبير وغني.....
كان تحرشه بها نوعا من أنواع التزنيق الجنسي وهو ما يفضله كنشاط جنسي، متزوج ويعول وغني -كما قلت- ونظيف المظهر لكنه يترك سيارته الخاصة الفارهة ويركب ميكروباص الجامعة ليزنق في الفتيات!، ولذلك كان تحرشه بها غريب الشكل –هي باعتبارها خبيرة في دور ضحية التحرش وصفت تحرشاته بذلك -، فقد كان من الممكن أن يزنق فيها وهي واقفة في المطبخ!
وكثيرا ما كانت مرة التحرش كلها عبارة عن إمساك أيٍّ من أعضائها والتزنيق فيه،....... لم يكن طبيعيا........ هذا واضح يا دكتور هكذا قالت، سألتها ولم لم تخبري والدتك قالت فعلت عندما فاض بي الكيل فهل تدري ماذا فعلت:
طلبت زوج أختي لجلسة منفردة.... واتفقت معه على أن يدفع لي بدل أن ينفع للأخريات –من الشارع الجنسي يعني- واتفقت معي على أن أسايره وآخذ منه الفلوس!
كانت الصفعة الثانية هي تلك الأم! امرأة جميلة لها كثير من الأبناء والبنات، مفصولة بأبنائها وبناتها عن زوجها الذي يعيش في القرية المنبت، وهي بسيطة أمية لكنها ذكية تمتلك كثيرا من المهارات وثقافتها كامرأة "قادرة" عالية وأخلاقها أخلاق من لم ينلن لا علما ولا دينا في تربيتهن.
كانت مريضتي تقول لي أنها كانت تعرف أن أمها غير سوية السلوكيات وتذكر أنها شاهدتها مع رفيق لها غير أبيها في لحظات جماع! وكان يبيت عندهم في البيت، وشاهدتها أيضًا في لحظات مع أبيها مع أنهما مطلقان،.... المهم أنها دائما كانت تشعر أن لأمها يدا في تركها لأيدي المتحرشين! تخيلوا؟؟، وسألتها وكيف كان ذلك الرجل يسمح له بدخول البيت وأين إخوانك الذكور، فابتسمت بأسى وقالت ماما مسيطرة على الكل يا دكتور، وبعدين أصلا قريبنا هو، وكمان عملة بابا أصلها لا تغتفر" فسألتها ماذا عمل قالت يا دكتور أبي......... أشهر "شيخ" من من يعملون بالسحر السفلي في ............، قلت لها شكرا .... وتحاشيت أن أستكمل صفعة ثالثة، يكفي والشيزلونج موجود في الجلسة القادمة وأنا متوفر بالأسواق.
كيف تمكنت فتاة كهذه أن تتفوق دراسيا؟ وكيف يتركُُ التعرض المتكرر للتحرش أثره عليها في مناحٍ من حياتها ويتركها متفوقة بحقٍّ في مناحٍ أخرى؟؟ فهي الآن تعمل في وظيفة مرموقة، هذا الأمر وإن صدق مع من تعرضت لحادثة تحرش واحدة أو اثنتين قد يكونُ عاديا، لكن كيف يصدق مع من كان تعرضها للتحرش مزمنا منذ طفولتها وحتى دخولها الجامعة، وكان فيه أيضًا تحرش من جانب لا مدفوعين بغرائزهم المكتوبة وإنما منحرفين أيضًا؟؟
هي الآن تعاني من مشكلة اختيار الزوج المناسب وهي باعتبارها جميلة ومثقفة ومرموقة الوظيفة تجد إقبالا من الخطاب لكنها لا تستطيع الخلاص من مشكلة التعلق والانبهار بأحدهم ثم انقلاب تلك المشاعر فجأة إلى العكس، أيضًا هي لا تستطيع الثقة برجل، وفي نفس الوقت لا تستطيع البقاء دون علاقة عاطفية، والحقيقة أنها فيما يتعلق بالعلاقات والاندفاعية فيها وإبقاء علاقتها مع خطيب تقدم ورفض وخطيب حالي وآخر تتمناه هي، في كل ذلك وغيره تنطبق عليها محكات تشخيص اضطراب الشخصية الحدية، ولكن كيف مع كل هذا النجاح؟
لست أجد إجابات كثيرة لكنني أتساءل رغم معرفتي بأن نماذج كهذه بالتأكيد قليلة في مجتمعاتنا، ولكن متى يكون بإمكان بناتنا أن يفصحن عن التحرش؟ وهل ما نسمعه على شيزلونج العيادة النفسية أو عيادة المجانين: هو فقط مجرد أمثلة نادرة؟ وهل يستقيم هذا الافتراض مع ما نعرف من انتشار المرض والخلل النفسي في مجتمعاتنا المريضة برمتها؟
واقرأ أيضاً:
شيزلونج مجانين: عن الانتماء / يوميات مجانين: ماذا جرى يا ترى يا ترى !