تعتعة نفسية تعبير غريب ولكنه من ابتداعي صحيح أنني كنت أمارسه تلقائيا حتى أسماه أحد زملائي (أبنائي) النفسيين الذين أصبحوا من فرنسا في فرنسا (د/رفيق حاتم) وذلك حين عاد في زيارة لمصر أصر فيها أن يحضر إحدى جلسات العلاج النفسي التي تدرب عليها هنا قبل سفره، وحين شاهد بعض التفاعلات العلاجية كان تعقيبه أن هذا هو ما يسمى في فرنسا العلاج بالأعراض أو بتعبير أدق بوصفة الأعراض Symptom Prescription هذه الفكرة نفسها تعتبر جزءا من العلاج السلوكي في بعض حالات الوساوس والرهابات (المخاوف المرضية).
الفكرة بسيطة بدأت بمواجهة مع بعض مرضاي الذين يزورونني بعد أن يكونوا قد زاروا عددا هائلا من الزملاء الممتازين سواء في الطب النفسي أو في التخصصات الأخرى، يأتون ومعهم هذا الملف الضخم من الوصفات الطبية، وهم محملون بحقيبة من الفحوص والإشاعات ونتائج المعامل وما إلى ذلك، كنت أسألهم ابتداء: ماذا ينتظرون مني أكثر من هؤلاء الزملاء الأفاضل الذين يحذقون كل ما أحذق، ويعرفون في العقاقير الحديثة خاصة أكثر كثيرا مما أعرف؟ وحين يصرون على أنهم قد يجدون شيئا مختلفا أعرض ما عندي، مثلا: يشكو المريض من الأرق، وليس بالضرورة أنه لا ينام فعلا، فأكتب له على الروشتة أنه "ممنوع النوم" على مسئولية الطبيب، فينزعج وينزعج الأهل أيضًا، فأضيف "إلا غصبا" فيأتي في الاستشارة يعتذر لي أنه نام ضد تعليماتي، لكن والله العظيم غصبًا عنه، فتنقطع الحلقة المفرغة من: خوفه من ألا ينام، ومن آثار الأرق، وتتوقف شكواه مما نسميه أرق ذاتي، أي أن المريض يحكي عنه صادقا في حين أن المحيطين عادة ما يلاحظون غير ذلك.
هنا يمكن القول أنني وصف له "الأرق علاجا" وكتبته على روشتة، مثلما أكتب أي دواء في حين أنه كان يشكو منه (وداوني بالتي كانت هي كانت هي الداء) أنا لا أنصح بذلك على طول الخط، فللأرق أسباب كثيرة، وقد يكون عرضا لأمراض أخرى، ـوقد يكون بداية لحالة خطيرة، وقد لا يستطيع الخبير الناشئ أن يكتب نفس الوصفة بنفس الحسم، مما قد يترتب عليه سوء فهم من المريض أو أهله، لكنني فقط أريد أن أشرح الفكرة التي أنوي أن أواصل إيضاحها في تعتعات لاحقة، خاصة بالنسبة لنوبات الهلع، ورهاب الموت، وشكوى عدم القدرة على التركيز (الآمر الذي أشرت إليه في تعتعة الأسبوع الماضي).
ويتبع >>>>: تعتعة نفسية العلاج بوصفة الأعراض(2)
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: الشعب المصري ملطشة / تعتعة نفسية: أنا عندي إيه يا دكتور؟