لن أحكي لكم عن عم عمران شيخ العرب وأسنانه المفلوجة، والفلجة هي المسافة الفضاء بين السنتين الأماميتين لكنها لديه تختلف وتوشي بآلاف أكواب الشاي العربي والدخان والصحراء... لكني لن أكتب عنه الآن.فعلى بُعد أكثر من ثمانمائة كيلو من القاهرة قضيت العيد بين أهلي وناسي في واحة سيوة. زرت معبد الوحي حيث كان كهنة آمون يتلقونه هناك وحيث تلقى الإسكندر الأكبر المباركة من كبير الكهنة كابن للإله آمون ليحكم مصر بهذه الصفة هو وخلفاؤه البطالمة من بعده.
وتقول الروايات إنه سُمي بذي القرنين لأن فناني عصره كانوا يصورونه بقرني الإله آمون برمزه الحيواني "الكبش". وكنت ذات حظ وافر حيث صادف وجودي إفتتاح مسجد "تاش شوخ سوخت" المبني في مواجهة المعبد بعد ترميمه تحت إشراف الأثري الألماني الدكتور كولمان الذي وجدته يتكلم العربية والسيوية. كانت احتفالية بسيطة عبارة عن زفة بالدفوف للدراويش، ينشدون قصائد المديح ثم أقاموا الصلاة في صحن الجامع السيوي بالطابق الثاني.
عاشقون كثر لسيوة الساحرة وناسها الطيبين ليسوا كلهم لحسن الحظ من الأجانب. فقد تعرفت على الشاب نصف القاهري نصف السكندري إسلام الضوي وزوجته وردة بعدما سمعت عن مشروعهما "داير ما يدور".
وحول راكية النار حدثني إسلام عن زياراته المتعددة لسيوة وحلمه الإقامة فيها ثم دراسته لثلاث سنوات التي توصل خلالها إلى أن هناك خمس حرف تقليدية سيوية في طريقها للاندثار وهي صناعة الخوص والفخار وشغل الإبرة والنجارة التقليدية من النخيل وشجر الزيتون وصناعة الصوف والكليم.
لكنه عندما استقر بدأ بانشاء مكتبة حافظ في تجهيزها على أن تكون كل مكوناتها سيوية خالصة، لفت انتباهي (بفخر) عندما زرتها إلى طريقة صناعة الرفوف وجذوع النخيل التي تسند الرفوف في شكل جمالي بديع وعرفت أن المترددات على المكتبة في الغالب من الفتيات.
ورغم كل مخططات إسلام حول مشروع لتنمية الحرف السيوية التقليدية وجد أنه لابد أن يبدأ أولا بمحو أمية الفتيات والنساء السيويات تلك كانت البداية لكن المشروع طويل. وكما تمني يوسف سائق الكارتة الذي أوصلنا للمعبد أن يفتح الأستاذ إسلام فصولا لهم وجدت أن محو أمية الصبيان من سائقي الكارتة هي الخطوة القادمة.
وتلك هي أغنية إسلام للحياة "الدنيا ورشة عمل وصاحبها هو الإله..فكرتها فكرة أمل لإيجاد حلول لرضاه..حلول تخلق معاني لحياتنا ومساواة.. والفرصة لكل واحد مختلفة باللي معاه.. عقل وجسد وضمير ودي أدوات الحياة.. ودي الدنيا في رأيي ودي الحياة.."
وختاما.. شكراً لك يا سيوة فقد غسلت عني بعض هموم القاهرة ولو لبعض الوقت.
اقرأ أيضاً :
عار علينا يامصريين... / اللي يفوت ما بيموت