طوال الوقت أشعر أن العالم الذي تعودت عليه يحدث له نوع من " التفكيك":الأشياء، العلاقات، المفاهيم، منطق الأحداث وسيرتها، المؤثرات والنتائج، وربما يدرك البعض هذا، فيكتب عنه، وربما يغفل الآخرون عنه فلا يشعرون بنفس الغربة التي أشعر بها، ولا نفس الشجن، ولا نفس الرعب – أحيانا – مما يزيد شعوري بهذا وذاك!!
لكنني أيضا ألاحظ أن هناك موجة أو موجات من التشبيك، ومعناه أن أشياءً تتجمع على نحو جديد ومختلف لتخلق فرصا وتحديات من نوع غير مسبوق غالبا، وإدراكنا لهذا تحديدا أضعف من إدراكنا للتفكيك، ولا أدري كيف يمكنني التعامل مع هذا القصور لأنني أعتبره في قلب اهتماماتي ومهماتي وهواياتي!!
في كل العالم المحترم ينطلق التفكير والإبداع بلا حدود، من يكتبون الروايات، ومن يصنعون السينما، ومن يجرون الأبحاث العلمية، ومن يعملون بالإعلام.
طبعا هناك قيود من نوع مختلف عنا، ولكن ما أراه حولي عندنا بائس ومختلف، ليس فقط بسبب الحكومات المستبدة المتسلطة، ولكن بسبب أساليبنا وعاداتنا العقلية والنفسية والاجتماعية والدينية.
ولأننا نمطيون حتى النخاع، محافظون، وحتى من يختلف فينا، يختلف وفق أجندة متوقعة، وسخيفة غالبا، ومن يبدع بحق منسحق، أو مهاجر أو محبط أو مهتم بسوء النية أو محاق بالغباء وسوء الفهم والتأويل، وبالتالي لا نحصد إلا ما نزرع... بالمجموع.
أنا كتبت كثيرا – وإن كان أقل مما ينبغي عن المسألة الدانمركية وتداعياتها، ولكن ما كتبته يبدو لي نمطيا أو متوقعا على نحو ما، ولا يعجبني، رغم تميزه عن كثير مما قيل.
أردت أن أنفذ أعمق، وأنظر أشمل، وأكتشف أرحب، وأكتب أوضح وأقسى، لكن يبدو أن المناخ ليس مواتيا، وليس مستعدا، ولا يريد ولا يتقبل ولا يرحب بنوع من الصدمات الكاشفة الكلية، والأدهى من هذا أن الناس غالبا وفيما يبدو غير مستعدة إطلاقا للتعامل مع أفكار من النوع التوليدي الذي يحتاج إلى تفكير واجتهاد واشتباك وأخذ ورد.
بم نتدرب على التفكير، على الحوار، على اكتساب معرفة حقيقية عبر القراءة أو المناظرة أو تحدي المسلمات المستقرة منذ زمن، وعلى نطاق واسع!!
لا يستطيع هذا غير عالم... عامل.... عابد.... كما قال. زكي نجيب محمود في أواخر أيامه... رحمه الله.
لا يمكن الخروج من هذه الدائرة الجهنمية إلا "ولا إله إلا الله"، "محمد رسول الله" تملأ القلب والعقل والوجدان والمشاعر وخلايا المخ وكل الجسد، بينما يبدو أنها تملأ الحناجر غالبا وفقط.
من يطمح إلى لقاء وجه ربه شاهدا ونذيرا على خطى الحبيب حقا؟!!
أم أننا نقول بأفواهنا ما ليس في قلوبنا!!
لن يتغير شيء طالما نتخارس عن إنكار المنكرات الكبرى: طريقتنا في التفكير والعيش والاعتقاد الزائف بالله ورسوله، يا رب سترك.
** اقرأ أيضا:
على باب الله: مغامرات في السليم/ على باب الله: موقعي