أسرّت إلي إحدى زميلاتي المحترمات وهن قليلات والحق يقال بأنها قد اختنقت من العمل في التلفزيون المصري وعندما تقابلنا فضفضت أكثر بمواقف تتعرض لها بشكل يومي وتضعها في ضغط نفسي مثل التعليمات بتجاهل ذكر المصري المخطوف في العراق في النشرة الإخبارية التي تحررها رغم الاهتمام بذكر الجنسيات الأخرى التي جرى خطفها وتضيف صديقتي:
هل نحن مكترسون بجنسيات العالم والمصري وحده بلا ثمن... كنت أتمنى أن أذكر اسم صديقتي فخرا فما زال لها عقل واع وضمير يفكر أما الغالبية في مبنى الإذاعة والتلفزيون فهم موظفون ينفذون ولا يفكرون أو منظرون للإعلام المتخلف أو منتفعون جاؤا من الخارج لينهبوا البقية الباقية.... لذا على كل محرر شريف ومذيع أمين أن يتصدى للفساد المهني والأخلاقي وإذا أخافوك وقالوا لك إنك تضحي بمهنتك فرد عليهم:بل أنتصر لها وإذا أشاروا عليك باتباع المواكب حفاظاً على مستقبلك فقل لهم: وهل هذا المستقبل يساوي أن أسكت وأتظاهر بأن هذا ليس شيئاً؟ أنا لست كذلك... في حياتي اليومية أتساءل دائماً: "ما الذي يستحق من أجله أن أغمض عيني عن الظلم والكذب والعنف؟" ثم أستمر في الإجابة: "لا شيء".
وأتذكر أخريات مثلي في كل مكان من العالم، فقد قرأت عن لطيفة بن منصور الكاتبة المهددة بالقتل على أيدي المتطرفين الإسلاميين الجزائريين: "في عام 64 كان عمري 15 سنة، رأيت في شوارع تلمسان في الجزائر، زوجا يقتل زوجته_مدعيا أنها خائنة_ برجمها بالأحجار، كان المارة ينظرون ولم يتدخل أحد، هذا الحادث وجه حياتي: كنت كلما تناسيت ورغبت في إسقاط الموضوع تعود هذه المرأة لتتسلط علي، منذ هذا اليوم، كل يوم كان المشهد يتكرر ألف مرة ولم أكن أستطيع السكوت، كان واجبي أن أعترض، وقد دفعت الثمن، مهددة بالموت، مهانة، تعرضت للسب والمنع والتشهير، ولكن في بعض الأحيان تضعنا الحياة أمام خيارات قاطعة.
بالتأكيد عندما يقوم المتعصبون بالإشارة إلى قطع رقبتي في مؤخرة القاعات التي ألقي فيها المحاضرات، أشعر بالاضطراب، ولكن الاستسلام سيعني أن أتنكر لنفسي ولكل ما تعلمته من أساتذتي وأجدادي، لقد علموني أنه علي مدار حياتنا علي الأرض يجب أن نخفف على قدر إمكاننا من البؤس الإنساني". ولطيفة بصفتها كاتبة فقد استخدمت سلاحها الخاص:الكلمات.
اقرأ أيضاً:
الوعود التي لا تتحقق/ حرية الإعلام