إلى متى تظل الحكومة بعيدة عن الناس، وتظل المعارضة بعيدة عن الفعل؟ منذ استقال د. أسامة الغزالي حرب، وأشيع أن هناك من يرى رأيه، وأن "الاستقالة هي الحل"، وأن حزبا جديدا على وشك الولادة، حزبا يتجمع فيه المستقيلون (لا المستقلون)، فرح بعض الناس، وتحرك فيهم الأمل دون أن يلاحظوا متوسط عمر المستقيلين، ولا محل إقامتهم المفضل على الصحف وليس في أمعاء الشارع السياسي. من السهل أن تكون معارضا علي الصوت، ولكن من الصعب أن تكون قادرا على الفعل، من السهل أن تعلن انتماءك للديمقراطية لكن أصعب الصعب أن تمارس العدل والحرية حتى في أضيق دوائرك.
من السهل أن تحصل على أصوات المتدينين البسطاء بتحريك حلم يقول إن الإسلام هو الحل "فيحلمون بالنقاء في الدنيا والجنة في الآخرة، لكن من الصعب أن تحصل على نفس الأصوات إذا أنت واجهت الواقع الأبقى، الذي يجعلك تتبنى موقف ثقاة من الفقهاء والمسلمين الأحرار يعتمدون على قرآنهم أساسا، فيستلهمونه ليقيموا العدل بين من يترك دينه ليدخل إليهم، ومن يخرج منه جهادا حتى ولو كان في طريق العودة إليه، فيعلن هؤلاء المنادون بالإسلام حلا يزهو به كل مسلم واثق من قوة دينه، هو: عدم وجود حد للردة إلا قياسا على الخيانة العظمى.
(آخر التذكرة بذلك: الفاضل جمال البنا، شقيق المرحوم حسن البنا ، صحيفة نهضة مصر، الخميس 13 أبريل 2006).
عموما: من السهل أن تحلم ومن الصعب حتى الاستحالة أن تختبر حلمك على أرض الواقع ناهيك عن محاولة تحقيقه، كان عبد الناصر حلما، وحين اختبر على أرض الواقع تعرت الحقيقة سنة 1967، كان عدل الشيوعية حلما عالميا، وطالت مدة اختباره حتى انتهك وتشوه فتعرى بالتطبيق حين صحا الناس على تخبط جورباتشوف صدقا أو عمالة، هل معنى ذلك أن نتخلى عن الحلم؟ أم عن محاولات تطبيقه ما دامت اختبارات التطبيق تفيقنا بصدمات تقودنا إلى انتكاسات ألعن مما كنا فيه؟
لا يستطيع إنسان أن يعيش بغير حلم، وفي نفس الوقت لا يمكن لحالم عاقل أن يحاول تحقيق كل حلمه مرة واحدة لمجرد أنه صادق، مخلص، جميل، مثابر، فاهم، قادر، ماذا لو وجد إنسان بهذه المواصفات في موقع السلطة في الوقت الحالي وهو يعلم أن أغلب من يتولى أمرها ممن حوله هم بمواصفات عكس ذلك؟ ماذا لو وجد إنسان يعرف تماما ما وصل إليه الناس من يأس، ومن كسل واعتمادية وانتظار دون فعل أو إبداع، ويعرف أيضا ما وصل إليه أغلب أهل السلطة من بعد عن الناس، واستغرق في الكلام، واختباء وراء الأرقام، وغياب للبصيرة؟ هل يترك موقعه مستقيلا لينضم إلى حزب المستقيلين (لا المستقلين كما أشرنا)، هل يريح نفسه ويعمل الممكن مكتفيا برضا أهل الحل والربط أعلاه، لعله يمد عمره على كرسيه ربما يفعل شيئا جيدا ولو يسيرا؟ تذكرت رأيا لأفلاطون، ربما في مقدمة جمهوريته، يقول: إن عقاب من يتخلى أو يعتذر عن موقع قيادي، وهو قادر عليه، هو أن يتولى هذا الموقع من هو دونه، فيديره بما أسوأ للناس ولهذا المتخلى ضمنا.
قابلت مؤخرا- بالمصادفة تقريبا، أو ربما كان خيال طليقا!!- مسئولا يعيش هذا المأزق، اقتحمي بأمانته، ونقائه، وفهمه، وواقعيته، وإصراره. لم أستطع أن أكذبه، خاصة أنه قد أفحمني بتذكرتي أنه يتابع ما أقول أحيانا هنا وهناك، وأن ثمة أمل في السير في اتجاه موضوعي يقربنا من حلمنا ولو ببطء شديد. خجلت من صدقه وأطرقت، فخطر ببالي كلام قديم- كالشعر- كتبته حوالي سنة 1972 أعلن فيه مثل هذا الموقف الذى لا خيار لنا فيه. الحلم كالشعر، يتحرك طليقا ليرسم ويشكل دون إلزام أو التزام باختبارات.
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية يا رب سترك / تعتعة : فحتى المحاكاة ليسوا لها / تعتعة سياسية: حاول ألا تفهم...!