بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الأيام أقلب صفيحات قديمة في مفكرتي العقلية –حيث لم أكن قد بدأت تدويني بعد– ونحن صغار كانت مدرستي تسألنا: عايزين تبقوا إيه لما تكبروا ؟؟؟؟ فكان كل منا ينبري لتحديد ما يريد ... دكتور.. مدرس.. مضيفة... طيار... ظابط!!
كل منا بحسب والديه ربما أو بحسب ما ورد عليه من خبرات غالبا ما تكون عن طريق الأفلام الكرتونية... أظن أننا كنا –كأطفال- نطمح لشيء جميل.. فمن تمنى أن يكون ضابطا.. مؤكد أنه رأى جميلا في تلك المهنة.. وفي هذه الأيام بالذات.. تلوح في ذاكرتي مشاهد وخبرات مع الضباط..
أقطن حي المعادي الهادئ المظلم.. ينتشر فيه مقار لسفارات وقنصليات كثيرة.. وبالتالي تنتشر فيه دوريات شرطية وكمائن بوليسية.. وماله؟!.. شيء جميل.. كنت عائدة من عملي بالمستشفى ذات يوم في وقت مـتأخر وفي طريق عودتي مرسى لكمين كما ذكرت.. وأنا أعبر الشارع فإذا بأحدهم يقود سيارته ويتوقف عندي يسد عليا طريقي –بيعاكس بمعنى أوضح- فتراجعت للوراء خطوتين فقط ورددت: اللهم اكفيني هم بما شئت وكيف شئت.. فذهب عني بحول الله.. حينها رأيت ضابط الكمين يخرج مسرعا من عربته ويقول لعسكري خذ رقم العربية بسرعة....
والدتي –رعاها ربي وحماها- اضطرت أن تضع سيارتها بجانب رصيف ممنوع عنده الاصطفاف.. فلم تغيب غير نصف ساعة تقريبا.. ولما عادت وجدت سيارتها متكلبشة.. فذهبت للأمين قال لها: لا دخل لي.. الأمر كله مع الباشة.. قالت له: الأمر لله وحده.. وفين الباشا؟؟ أشار لها فذهبت.. ولما قابلته قال لها: نعم يا أمي!!! فدهشت وقالت له: بارك الله فيك.. القصة كيت وكيت.. فأشار بإصبعه لعينيه الواحدة تلي الأخرى، من عنيا الاتنين!! وفك لها السيارة من الكلبش..
بعد ثمانية عشرة عاما- هي سنين عمري.. آن ذاك- قضيتها غربة عن بلدي الحبيبة.. رجعت لا أعرف الانتقال من مكان لمكان بمفردي.. ولأنه لابد لي من ذلك دفعت بنفسي مرات للخروج في مناطق عدة بعد أن آخذ وصفات من أقاربي.. كنت في إحدى المرات في ميدان من الميادين الكبيرة في مصر.. ولا أعرف كيف أتجه.. يمينا.. أم يسارا؟؟!
فقلت لو سألت أحدهم السؤال دا.. لعلم أني غريبة.. ولكان منه التقصد والترصد... وهذا وارد!!
أأمن حاجة أذهب لسؤال ضابط الشرطة الواقف هناك يحرس المكان.. وكم كنت سعيدة بأن في كل حي من أحياء مصر كمين شرطي..
يا ربي... كيف أخاطبه؟؟ كيف يناديه الناس؟؟ لم يسبق لي أن فكرت بهذا من قبل..
فوجدتني أقترب منه.. فنظر لي.. مترددة أنا.. ليس خوفا أو رهبة.. فاستجمعت.. وقلت له: لو سمحت يا ظابط
عايزة أروح كذا.. أمشي منين أو أركب إيه؟؟؟
ففتح لي عيناه وابتسم.. ونادى عسكري.. وقال له: روح معاها موقف كذا وشاور لها على كذا....
ساعتها.. انفرجت أساريري.. وشعرت بأمان... وبادلته بابتسامة.. وقلت له: أشكرك... شعرت وهي أول سنة أعيش فيها في مصرنا الحبيبة أن هناك من يعمل لحمايتي ولأمني العام والخاص..
تلك المشاهد أتذكرها.. أمحوا بها مشاهد حالية آنية أبكتني.. يدا قد أشارت لأمي من قبل –من عنيّا الاثنين– قد انهالت ضربا ولكما.. وقدما قد أنهكها الوقوف صدا لشر.. قد اجتهدت ركلا.. وصوتا قويا صارما يعلوا على اللصوص.. ارتفع سبّا ولعنا..
...يا ربي...
دعوتك أن يعود المدرس معلما بحق لنفه التبجيلا... وأن يعود الطبيب حكيما بحق.. ليكون للآلام مزيلا.. والآن أدعوك أن يكون الشرطي حاميا بحق.. ليكون جليلا نبيلا.. ولتكون مصرنا للأمن والأمان موئلا وسبيلا..
مودتي
واقرأ أيضًا:
مؤتمر الدانمرك ورأي متواضع / يوميات رحاب: البرجوازيين وشعبان عبد الرحيم !!!