منذ وقت طويل لم أكتب تدوينا، ظهرت على قناة الجزيرة متحدثا عن المدونات والتدوين والمدونون، ولكنني أنشغل أحيانا عن التدوين.. تتلاحق أحداث حياتي الخاصة، وربما تتسارع الأحداث العامة، ويكون عندي ما أقوله لمن حولي في حينه، وأحيانا أكتبه في صحيفة هنا أو هناك، وربما ينفرد موقعي www.askdrahmed.com بنشر كل ما أكتبه، ولكن ماذا عن النصوص الشفهية غير المكتوبة، وهي عبارة عن حوارات طويلة ومهمة تجري مع شباب موقع عشرينات، أو مع أصدقاء ألتقي بهم نادرا، أو في رسائل متبادلة على الإنترنت!!
من فترة يشدني حنين جارف إلى الحكي حتى أصبحت أعتقد بأنه حاجة إنسانية أساسية، وسؤال هام لتعرف الشخصي: لمن يحكي وكيف ومتى؟! ومهنتي تجعلني مستمعا جيدا، ومدفوع الأجر غالبا!! وبحكم المهنة فإن أذناي تعملان طوال اليوم تقريبا عبر الهاتف، أو في العيادة أو حتى مع الأصدقاء، ولا يكاد ينطلق لساني إلا في مقابلة تليفزيونية أو برنامج إذاعي أو ندوة عامة أو ردا وتعليقا على حكي سمعته.
ولو كانت مدوناتي هي فرصتي للحكي، ووجدت وقتا كافيا لها وله، لما انتهت الحكايات، ولكن ربما من حظ القراء أنني لا أجد وقتا ولا عزما كافيا للتدوين بتفصيل، وربما من حظي حتى لا يملني السامعون، وكثرة الكلام تنسي بعضه بعضا.
صحيح أنني أغافل نفسي، وأغافل قرائي وأحكي في ثنايا الإجابات والمقالات، وأغافل مرضاي وأحكي ضمن جلسات العلاج، وأغافل معارفي فأحكي ضمن مكالمة قد تطول، أو محادثة عابرة تحمل كلماتي فيها معاني كثيفة في ألفاظ قليلة، وأحكي في الندوات والمترو مع من أعرف، وأحيانا أقل مع من لا يعرفني. ربما حياتي مثل كل الناس قصة لم تنته بعد، قصة قال لي عنها صديق يوما أرجو أن يتسع الوقت ويطول العمر لأكتب أهم رواية في حياتي، قلت له وما هي؟! قال: أنت يا دكتور، رواية أحب أن أكتبها يوما. تلعثمت وقتها وقلت في نفسي: معقول؟!
وأفلتت من وائل كلمة منذ أسبوعين، حين قال لي: كثيرون يحبون أن يساعدوك في عملك بالدكتوراه، ولك في القلوب مكانة!! وهذه الكلمات لا تشعرني بالخجل فحسب، ولكن ترعبني بالمسئولية، فما أحلى أن تكون مثل الناس وبينهم: متفرجا، لا تعرف، ولا تفهم، ولا تحمل أي تبعات للفرجة والسير في الأرض.
إنها ثنائية أزلية حين يشقى الإنسان بعلمه، وأخو الجهالة ينعم في جهله وغياب معرفته، لكنه التشريف بالتكليف الرباني، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا. ووددت لو أكتب ثانية عن "ميشيل كيلو" المسجون في "سورية" وعن"وائل خليل" المعتقل في مصر، لم يزل، عن هذه الأوطان الرهينة، التي ما كانت يوما آمنة ولا أمينة، عن "الخوف" الذي هو صديق الملايين ورفيقهم من الصحو، وعند المنام!!
عن البؤس الذي نعيشه، ولا أقصد الفقر هنا، لكن أقصد بؤس التفكير أو غيابه، بؤس العقل الذي أعطيناه أجازة مفتوحة، بؤس التعاسة التي نختارها اختيارا، وكأننا لا نستحق غيرها. ولكنني وسط هذا كله أجد نفسي سعيدا بأصدقاء جدد أعرفهم، أو مواقف طريفة تحصل لي، أو نفحات ربانية تمر بي كنسائم رطبة في هجير حياتنا اللافحة بسخونة وقسوة. وددت لو قول لكل من يقرأ لي: تأمل فيما عندك من مواهب، من أفكار، من معلومات، من روابط على الإنترنت، ومعارف حية أو منقولة، ولا تتردد في التواصل معي على موقعي، بالتأكيد عندك ما يفيد زوار موقعي، أو يمتعهم.
عندك ما يكمل رسالتي التي بدأتها على إسلام أون لاين منذ ما يزيد على الأعوام الستة، وعلى مجانين لاحقا، هذه المهمة التي أذهلتني تماما أن يختصرها أحدهم في مشاركة وصلت مؤخرا. "أدلف إلى واحتكم كل يوم، إما بغرض الاستشفاء، وإما لكسب شيء من التفكير الإيجابي الهادف" إذا كنت أفلح في تقديم كلمة شافية، أو فكرة تساهم في تغيير ذهني أو ثقافي، فماذا أريد بعد ذالك؟! وماذا غير كلمة شافية، أو داعية لتفكير أو تغيير؟!
اقرأ أيضا:
على باب الله: أنهار سرية / على باب الله يوم الخامس من يونيو