على باب الله: أجساد ساخنة 24 7 2006
أجساد المصريين ساخنة هذه الأيام، أتلامس معهم في المواصلات، وعند المصافحة، فأجد ذلك الملمس بما يزيد على الدفء بكثير!! هل لهذا علاقة بسخونة الدم أو القلب؟! هل نحن متبلدون حقا تجاه ما يحصل في لبنان من قصف وقتل وتجويع ونزوح وخيانات رسمية؟! يقولون أننا نشاهد كل هذا بدم بارد!! هل كل شيء يجري كالمعتاد، وكأن شيئا لا يحدث على الضفة المجاورة للمتوسط؟! هل بيروت تحت القصف، ونحن غارقون فعلا في الكسل؟!
أعتقد أننا في لحظة تاريخية فارقة فعلا، ولكنها فريدة ودقيقة وغير مفهومة لأغلبية من يشاهدونها، ويصفون، أو يحاولون التحليل!! الأنظمة سقطت بوضوح، وكشفت عن حجمها ودورها دون أدنى حياء، والحركات من أحزاب وجماعات ما زالت تعمل بالأساليب القديمة، وهي تؤدي دورا تقليديا يفيد، ولكنه ما يزال محدودا، وقاصرا عن استثمار كل الإمكانيات والآفاق والمساحات المتاحة وهي كثيرة!!
حتى صديقي العزيز أكلمه فيقول لي: أنا في انتظار أن ينتصر "نصر الله"، وأرد عليه: لا يعنيني هذا من قريب أو من بعيد، النصر أو الهزيمة العسكرية ليست مهمتي، الأهم عندي أن أنتصر أنا، أن ننتصر نحن، ونصرنا كجماهير وشعوب هو أن نقوم بواجبنا، وننظم ونخطط حركتنا، ونبدع في الانتظار للمقاومة ودعمها، وفي مساندة إخواننا تحت القصف والحصار، هذه هي معركتنا الحقيقية.
قيادات كاريزمية، والبعض يضحي، ويدفع الثمن غاليا، والإعلام ينقل الصور، والصحف والمجلات تحمل الأفكار، ونحن نتفرج، ونتعاطف، ونشجب، وندين.. الخ هذه هي الطريقة التقليدية التي ينبغي أن تنتهي!!
فورا إذا تغير إدراكنا للخريطة، ولطبيعة المرحلة، وإمكانات العصر سنجد أننا يمكن أن نكون داخل المعركة نخوضها ساعة بساعة، ويوم بيوم، وبأيدينا وجهودنا نشارك في تعديل مساراتها، وصوغ المشاهد المتوقعة لها، ولكن وعينا مازال محدودا، متواضعا، وسعينا مازال بطيئا متثاقلا، وثقتنا بأهمية وجدوى وفاعلية أنفسنا، وما يمكن أن نقوم به مازالت دون الحد الأدنى للمواصلة... !!
لا قيمة للحكام العرب، ولا للجيوش العربية، ولا للأنظمة الرسمية، وانتظار هؤلاء، أو شتمهم أو الدعاء لهم، أو عليهم، أو الاتصال بهم، أو مناشدتهم بأدب أو قلة أدب، هذا كله مجرد تضييع وقت، ومازلنا نمارسه للأسف الشديد!!
الحزن والهم والاكتئاب والأسى والحسرة وخيبة الأمل والإحباط والشعور بالمرارة والضجر والعجز والشلل كلها مشاعر وأحاسيس سلبية لا معنى لها، ولا تنفع بل تضر، وتبدد الطاقة، وتشتت الجهود والتركيز المطلوب بشدة للانطلاق والعمل.
ضعف الثقة بالنفس يؤدي إلى انتظار المبادرة من الآخرين لنقع كلنا في مساحات من الانتظار، وندخل في حالة مضحكة من مشهد عبثي، حالة انتظار، نكون أمام أمة منتظرة - بكسر الظاء- ومهدي منتظر -بفتح الظاء-، والمهدي هنا حقيقة أو رمزا، المهم أننا ننتظر خلاصا أو تغييرا أو إصلاحا أو نصرا أو فتحا دون أن نتحرك نحن في اتجاهه، أو نتصوره ونعمل من أجله، فمن أين سيأتي؟! من الله؟!
كيف وهو سبحانه وتعالى يقول: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"... أي أن الحقيقة طبقا لما أفهمه هنا، أنه جلا وعلا ينتظرنا أن نغير ما بنا دون أن نتحقق بشرط هذا التغيير كما حدده هو بوضوح، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
طبيعي ومحمود أن نسأل الله التوفيق والعزم والإرشاد لما فيه الصواب، والعون والإنجاز تغيير أنفسنا، ونعمل من قبل ومن بعد في هذا السبيل، أحيانا أرى أننا نسأله أن يقوم بدورنا عنا، أي أن يحل محلنا في القيام بواجبنا، وينجز لنا ما يفترض أن ننجزه بأنفسنا، وعندما تفشل ريحنا، وننتكس نحزن، "قل هو من عند أنفسكم".
منظومة تفكيرنا، وتناولنا للأمور، وتحديدنا لما هو مطلوب منا، أو ممكن أمامنا تحتاج إلى مراجعة ونقد، وربما نسف وتفجير. بالورقة والقلم، وبالحسابات المادية المحضة، وبشيء من المنطق والدقة يمكن أن نفهم بسرعة أننا الرقم الصعب في المعادلة، وأن إمكانيات حركتنا تنتهي عند حدود إدراكنا لها، أما حقيقتها فهي بلا ضفاف ولا حدود، شريطة أن يتحرر الخيال، وتتحرر الإرادة، وأن نكسر الأغلال التي تحبس أرواحنا وسواعدنا وعقولنا وقلوبنا.
الحرب الظالمة على لبنان "مختبر عملي" لتنفيذ محاولاتنا في هذا الميدان، وأنا أشعر هذه الأيام أنني أتحرر شيئا فشيئا، أتحرر من ضعفي الإنساني، ومن خوفي على المستقبل، ومن أثقال مادية الحياة من حولي، أتحرر من قيود وروابط تشدن إلى الأرض فأصبح أقرب إلى السماء!!
وهكذا الجهاد يحررنا، ونحن في قلب المعركة، هذا يقيني الذي أجتهد في شرحهن وهذا شعوري الذي أحاول وصفه، وتلك هي الخريطة التي أراها واضحة كالشمس أمامي، وأسابق الزمن في روايتها للناس، والناس هم كلمة السر في المعادلة، أتمنى أن الأحداث أيقظت النائم، وحركت المستيقظ، وألهمت المتحرك وأرشدته، إنها الأيام المباركة في هذا الصيف الرائع، والحمد لله.
صور الدمار يمكن أن تستفز الدموع في المآقي، ويمكن أن تذكرني بقوله تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه"، مشاهد القتل والدماء والأشلاء يمكن أن نكتب عليها الشتائم، أو كلمات الاستعطاف، ويمكن أن نضع إلى جوارها صور دمار أعداءنا، وجثثهم، ونكتب: "شهداؤنا في الجنة، وقتلاكم في النار"، أي فرز هذا الذي يحدث فيضم أشتاتا، ويوحد بينهم على حب المقاومة والصمود؟!
الحق كل الحق عند أهل الباطل من أعداءنا حين يخافون من هذا الدين لأنه يحمل في"ثناياه قوة شعورية، وقوة في البناء النفسي والفكري والروحي، وفي نظام العبادة، وتفاصيل الإيمان، إنه "دين الله" حقا وصدقا، وهنا كل الأمل إذا فهمنا وتحركنا ليلا ونهارا، وإذا اكتشفنا من معنا ومن ضدنا.
أستعيد اكتشاف قوة الصلاة، وقوة الدعاء، وقوة الذكر وسط احتدام الصراع، وفي غمرة الجهاد، أشعر بالتواصل الروحي، وحين تتحرر مشاعري تسافر مهجتي فأشعر أنني فعلا في بيروت وسط الأهل والأحباب. كما شعرت وأشعر كثيرا بأنني فلسطيني نفسيا وروحيا!! تحررت.. أختار زماني ومكاني وجنسيتي، وقومي وقوميتي، أختار انتمائي وندائي، وأرضي وسمائي!! أختار حريتي، وأين أضع محبتي!!
أشعر ممتنا أن الجهاد قد منحني تحقيق بعض أحلامي، حلمت بالرهبنة لبعض الوقت، أحب المسيح، وأتذكر الحديث: "رهبانية أمتي.. الجهاد في سبيل الله" ربما أكتب يوما باستفاضة عن الجهاد بطريقة تختلف عما كتب "عبد السلام فرج"، ربما أكتب"الجهاد على درب محمد والمسيح" حالة عجيبة من السعادة الداخلية والامتلاء تغمرني عندما أشعر أنني على خط النار مع المجاهدين والصامدين مثل الرهبان الصادقين المتجردين في صوامعهم، والخندق صومعة حياة ورهبانية.
حلاوة لا يشعر بها المتخاذلون، ولا يعرفها المذعورون، ولا يدركها إلا محظوظ، ولا يفهما أصحاب إدعاءات العقلانية، وفعلا نحن في وادي وهم في آخر!! أراها لحظة مناسبة ليتحرر كل الناس، ولن يتغيروا إلا إذا تحرروا، لن ينعتقوا إلا إذا ترهبنوا في صومعة أو خندق الجهاد. وأهتف بهم كاتبا ومتحدثا لعل في الكلام ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أصف لهم طعم الشعور بالحرية والكرامة، والفعل المباشر. أبذل جهدي ما وسعني فإذا صادفت كلماتي عقول وآذان وأفئدة من يفهما ويعمل بها فزت بأجر النصيحة، وإذا لم يحصل فلا بأس، لا بأس البتة!! والمجد للمقاومة...
اقرأ أيضا:
رسائل فك الحصار 24 /7 /2006 / على باب الله: على خط النار كلنا مقاومة 26/7/2006